شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

مقال بعنوان: الناظر حافظ الأجر وباني الأثر

 الناظر على الوقف: أمانة عظيمة وأجر جليل
الوقف من أعظم ما شرعه الإسلام من أعمال البر المستدامة، وقد كان سمةً بارزة في الحضارة الإسلامية، أثرى بها المسلمون مجالات التعليم والصحة والرعاية والدعوة والإغاثة. ولأن الوقف لا يقوم بذاته، كان لا بد من ناظر يقوم على شؤونه، فيحفظه ويستثمره ويوجه ريعه نحو مصارفه المشروعة. فكان الناظر على الوقف في منزلة الوكيل المؤتمن، والإمام المنفذ، والمحاسب بين يدي الله والناس.
📌 أولاً: منزلة الناظر في الشريعة
الناظر على الوقف هو من يلي شؤونه تنفيذًا لشروط الواقف، وحفظًا للأعيان، وصرفًا للريع. وقد نص العلماء على أن النظارة أمانة وولاية، وليست مجرد وظيفة إدارية. قال الإمام النووي رحمه الله:
“الناظر في الوقف بمنزلة وليّ اليتيم، عليه أن يعمل فيه بالأصلح”.
📚 شرح المهذب (15/121)
وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي بأن الناظر يقوم مقام الواقف في إدارة الوقف وفقًا لما نص عليه، ويُعد مسؤولًا شرعيًا أمام الله ثم القضاء.
🛡 ثانيًا: عِظَم الأمانة والمسؤولية
قال الله تعالى:
“إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا” [الأحزاب: 72].
فالنظارة تكليف لا تشريف، ومنصب لا يُتخذ للتكسب أو الوجاهة. وقد شبّه بعض العلماء الناظر على الوقف بوليّ اليتيم، فإن خان أو قصّر أثِم، وإن حفظ وأدى كان من المحسنين.
بل نص العلماء المعاصرون على أن الناظر محاسب أمام الجهات الرقابية والقضائية في الدنيا، ثم بين يدي الله في الآخرة، مما يُلزم كل ناظر بالتقوى والإخلاص والاحتياط.
💎 ثالثًا: فضل هذا العمل وأجره
القيام على الوقف لا يقل أجرًا عن التصدق نفسه، بل ربما فاقه إن نوى الناظر حفظ مال المسلمين وخدمة المحتاجين وعمارة الدين. قال النبي ﷺ:
“إن مما يلحق المؤمنَ من عمله بعد موته: علمًا علّمه ونشره، أو ولدًا صالحًا تركه، أو مصحفًا ورّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته”.
📚 رواه ابن ماجه (242)
فالناظر هو من يضمن بقاء هذا الأجر جارٍ بعد موت الواقف، فإن أخلص في ذلك ناله مثل أجر العامل به، دون أن ينقص من أجرهم شيء، كما ورد في الصحيح.
📈 رابعًا: آثار دنيوية عظيمة
من بركات النظارة المتقنة أنها:
•تحفظ أعيان الوقف من التعدي والإهمال.
•تضمن وصول الريع إلى المستحقين.
•تُعزز التنمية المجتمعية والعدالة الاجتماعية.
•تُسهم في المشاريع الكبرى بتمويل شرعي مستمر.
•تبني للمجتمع استدامة مالية مستقلة عن تقلبات الدولة والأسواق.
وقد أولت الجهات الرسمية في كثير من الدول، ومنها السعودية، أهمية قصوى لإعداد النظار وتأهيلهم ومحاسبتهم، إدراكًا لخطورة هذا الموقع.
✅ خامسًا: وصايا للناظر
1.الإخلاص لله في إدارة الوقف، وابتغاء الأجر.
2.التحقق من المصلحة الشرعية في كل قرار، وعدم مجاراة الأهواء أو الضغوط.
3.الشفافية والحوكمة في التعامل مع المال الوقفي.
4.طلب المشورة من أهل الاختصاص عند التردد.
5.الابتعاد عن التربح الشخصي أو تعارض المصالح.
✍ خلاصة
أن تكون ناظرًا على وقف، فهذه أمانة عظيمة، ومكانة رفيعة، وميدان للربح الأخروي والدنيوي، لكنها محفوفة بالمحاسبة والمساءلة، ولا ينهض بها إلا من جمع بين الإخلاص والكفاءة.
فطوبى لمن قام بحقها، وكان ممن قال الله فيهم:
“إن الله يحب المحسنين”.