الأحد 16 جمادى الآخرة 1436هـ 5 آبريل 2015م
الوقف الإسلامي بخصائصه انفرد به المسلمون عن غيرهم، فهو نظام محكم، ومتعدد الجوانب، يحفظ عز أمتنا، ويوقظ القدرات وينمي المهارات ويحرك الإبداع، ويديم العطاء، وامتاز بسرعة تلبيته الحاجات بعيداً عن التعقيد والتسويف، وهذا ما جعله ركناً من أركان بناء الحضارة الإسلامية.
بلغ الوقف الإسلامي في مراحل الحضارة الإسلامية مبلغاً عظيماً، وكان نموذجا يحتذي ومدرسة لتدريب وتهيئة كوادر بشرية ليكملوا مسيرة الوقف ورعايته على أكمل وجه، فقد أوقفت أوقاف للمسافرين المنقطعين من خانات وفنادق وتكايا، وأوقاف لإصلاح الطرقات والجسور، وأخرى لتوفير المقابر وتجهيز أكفان الموتى، ورعاية اللقطاء واليتامى، وكفالة المقعدين والعجزة، وتزويج الشباب والفتيات، وإمداد العميان بمن يقودهم ويخدمهم، وإمداد الأمهات بالحليب والسكر، ومحميات لخيول الجهاد التي هرمت، وإيواء الحيوانات العاجزة وعلاجها، وإطعام الطيور والقطط… وغيرها الكثير.
وبعد أن عاشت أمتنا الإسلامية في القرنين السابقين مرحلة التردي في كل مناحي الحياة، نال العمل الخيري والوقفي على وجه الخصوص الدمار الأكبر بسبب الاستعمار المعاصر ودوره في تضييع الأوقاف في الدول التي هيمن عليها، وكذلك بسبب الانقلابات السياسية، وضياع الوثائق أو عدم التوثيق في الأصل، وتأميم الأوقاف للأنظمة، وضعف الذمم والأمانة، حتى أضحت بعض الأوقاف موردا لبعض ضعاف الذمم ودخلاً غير مشروع.
وتحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف كان الهجوم على العمل الخيري والوقفي المعاصر، وربطت الأوقاف والتبرعات بالإرهاب، واتهمت المؤسسات الخيرية على اختلاف أنشطتها بدعم الإرهاب، وتوسعت قوائم الاتهام لتنال أغلب المؤسسات الخيرية والوقفية النشطة، وقيدت التحويلات للمشاريع الخيرية والوقفية، وساهمت البنوك الأجنبية والعربية في تحجيم العمل الخيري والوقفي الإسلامي في العديد من الدول العربية والإسلامية.
وتلك الأسباب مجتمعة – منذ أن استُعمر المشرق الإسلامي وإلى الآن – أدت إلى ضعف الكوادر المتخصصة في العمل الخيري والوقفي، وضعف الخطط المرحلية والاستراتيجية من الناحية الإدارية، والعمل في بعض الأحيان بعشوائية واندفاع آني بسبب النظارة التي تفتقد الكفث4وائية واندفاع آني بسبب النظارة التي تفتقد الكفاءة، وأضحى القطاع الخيري والوقفي يدار بطرق ينقصها العمل المؤسسي والكفاءة وكذلك الرقابة الإدارية والرقابة المالية.
وفي المقابل نرى أن الحكومات الغربية قد ساهمت في تشجيع القطاع الخيري والوقفي وذلك بتوفير الكوادر المدربة من خلال المراكز الاستشارية والتدريبية والجامعات والمعاهد والمؤتمرات والبرامج المشتركة مع القطاع الحكومي والتجاري، فكانت الشراكة والدعم مقومين أساسيين في نماء القطاع الوقفي واستمراره، وقبل هذا وذاك المرونة القانونية التي أولت القطاع الخيري الدعم والاهتمام.
ولا شك أن نجاح الوقف كمؤسسة إسلامية استثمارية خيرية ناجحة تسهم في توفير الموارد اللازمة لنجاحها في خدمة الأمة وأهل العوز والحاجة مما يخفف الأعباء على الدول والحكومات، يعتمد بعد توفيق الله تعالى على الكفاءات والقدرات الإدارية المتخصصة، ومشكلتنا الحالية أن الكثير من المؤسسات الخيرية والوقفية تعاني ضعف الكفاءات الإدارية والفنية.
وتنمية القدرات الإدارية والفنية للعاملين في القطاع الخيري والوقفي تمر بعدة مراحل، بدءاً من الاختيار الدقيق للعاملين، ثم الحرص على تنمية قدراتهم، وتقييم تقدمهم وتطويرهم، وتقسيم المهام بشكل واضح، والترتيب الإداري بالشكل الهرمي حتى لا تتعدد التوجيهات أمام الشخص الواحد، وإسناد كل إدارة إلى هيئة متخصصة، وهذا لن يكون إلا بمأسسة النظارة، فالمؤسسة تتصف بالديمومة والاستمرارية ليتحقق لدينا مبدأ التخصص، فلا بد من الإطار المؤسسي الذي يدير الأوقاف ويحافظ على النظارة في الإدارة.
فالاهتمام بالعنصر البشري في المؤسسات الخيرية والوقفية ضرورة عاجلة لتطوير العمل، ولن يكون ذلك إلا بإشاعة جو العمل بإخلاص واحتساب الأجر والمثوبة في هذا العمل، واتباع أسلوب الحوافز (دعم معنوي ومادي)، وتوفير وتهيئة الجو الاجتماعي والشرعي في المؤسسة، والضرورة القصوى التي لا بد من توفيرها: إحساس ورضا العاملين في المؤسسات الخيرية والوقفية وشعورهم بالأمان الوظيفي.
والوظيفة في المؤسسات الخيرية والوقفية ليست كما يظن البعض أنها وظيفة مؤقتة إلى حين ما تسنح الفرصة للانتقال إلى وظيفة في القطاع الحكومي أو الخاص – وهذا حاصل للأسف في بعض المؤسسات الخيرية والوقفية – على الرغم من أن حجم العاملين في القطاع الخيري والنفع العام بدوام كامل في الدول الغربية يصل إلى 10% من القوى البشرية، ومنهم أهل الاختصاص والحاصلون على أعلى الشهادات الأكاديمية والخبرات الميدانية، والحكومات في تلك الدول تعمل باستمرار على زيادة نسبة العاملين في القطاع الثالث وهو القطاع الخيري والوقفي.
نحن بحاجة إلى قدرات بشرية قادرة على المحافظة على الأصول الوقفية، وتنمية رؤوس أموالها بتحقيق أعلى عائد وبأقل تكلفة، مع الالتزام بالضوابط الشرعية، مع القدرة على تطبيق نظام لتقييم الأداء الإداري والمالي للمؤسسة الوقفية من حيث الفاعلية (نوعية المخرجات لتلك المؤسسة) ومن حيث الوقت والكمية والدخل وأرباح ورضا المتبرعين ورضا العاملين، وكفاءة أداء المؤسسة بدراسة العائد على الأوقاف والمشاريع الوقفية والعائد على الأموال المستثمرة، والإنتاجية والتقدم في العمل، والنظم المتبعة لإدارة المؤسسة.
ما سبق يدفعنا إلى سؤال : كيف يمكننا توفير الكفاءات البشرية، والارتقاء والتطوير والتقييم في المؤسسات الخيرية والوقفية؟ وهل بإمكان مؤسساتنا تأهيل الكوادر البشرية القادرة على إدارة الأعمال الخيرية والتطوعية والوقفية؟ لذا سأخصص مقالي القادم للإجابة عن تلك التساؤلات لنعرف أين تدرس علوم إدارة المؤسسات الخيرية والوقفية؟ وهل فعلاً هناك جامعات تخصصت لتدريس علوم العمل الخيري والوقفي؟ وهل حقاً نحن بحاجة إلى أكاديمية وكليات لتدريس تلك العلوم.
والمؤسسات العلمية والأكاديمية– في الدول الغربية – أولت القطاع الخيري والوقفي جل الاهتمام، فكانت برامج إدارة وتطوير القطاع الخيري والوقفي – والذي اصطلح بمسمى القطاع الثالث – ممنوحة لمؤسسات ذلك القطاع ، لما له من أهمية في التنمية والرعاية والمساهمة في دعم القطاع الحكومي والتجاري في الدولة الحديثة ، التي تقوي هذا القطاع وتعمل على نمائه واستمراره وجودته وتفوقه ، وكذلك تتقوى تلك الدول الحديثة به ليشكل مع غيره إستراتيجية سياسية لقوة الدولة .
ومع عرض تلك التجربة الغربية، نحن على يقين أن التجربة الغربية مع فاعليتها وإنجازاتها ومؤسساتها وحجم تبرعاتها ونظمها الإدارية والقانونية إلا أنها غير قادرة على المنافسة والمحاكاة في فاعلية الأهداف والدوافع والتشريعات في القطاع الخيري والوقفي الإسلامي، فلا نعرض التجرية الغربية الحادثة بنفسية مهزوزة منبهرة مهزومة، بل نعرض ذلك ونحن نعتز بالإسلام وتشريعاته، وتطبيقاته، ولكننا نعجب أشد العجب كيف أهملنا ما عندنا حتى اختطفه الغرب واستفاد من نظام الوقف الإسلامي ليخطط وليبني عليه لوائحه ونظمه المستمدة من النظام الإسلامي خدمة ورعاية لقطاعه الخيري والوقفي .
ولإلقاء الضوء على تلك الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والتدريبية التي تخصصت في هذا المجال ، وتفوقت في برامجه، ونوعت مجالاته وتخصصاته، وتعدت حالات الإغاثة والطوارئ إلى النماء والاستقرار وحفظ كرامة الإنسان، وإتباع أفضل النظم الإدارية الحديثة، نذكر من أهم تلك المؤسسات الآتي:
مركز قيادة العمل غير الربحي والخيري:
(جامعة رولينز) من الجامعات الغربية التي خصصت برامج ومساقات وكليات لإدارة الأعمال الخيرية والتطوعية، وأطلقت على ذلك مسمى «مركز قيادة العمل غير الربحي والخيري»، وأعدت برنامج مساقاته على النحو التالي: إعداد مجالس والإدارة وضبط المنظمات غير الربحية, الإدارة المالية, وقيادة وجمع التبرعات والتطوير، وإدارة التطوير والموارد البشرية، والتسويق والعلاقات العامة، كتابة العروض، والتخطيط الإستراتيجي وتقييم البرامج، إدارة العمل التطوعي،
تجمع تعليمي للعمل التطوعي :
وفي جامعة تكساس الشمالية University of North Texas، مركز تعليمي بمسمى «تجمع تعليمي للعمل التطوعي».
مركز قيادة القطاع العام وغير الربحي:
يقدم «مركز قيادة القطاع العام وغير الربحي»والذي يتبع جامعة (جورج تاون)في واشنطن مختلف أنواع المساعدات في البحوث والمنح الدراسية مما يسمح للطلاب العمل مباشرةً مع الكلية وزيارة العلماء والمختصين.
مركز قيادة العمل الخيري وغير الربحي:
أما مركز قيادة العمل الخيري وغير الربحي Philanthropy” «Nonprofit leadership، فأنه يتبع جامعة Rollins college، وبرنامجه حُدد بالآتي: إعداد مجالس الإدارة وضبط المنظمات غير الربحية، الإدارة المالية ،قيادة جمع التبرعات والتطوير، إدارة التطوير والموارد البشرية، التسويق والعلاقات العامة ، كتابة العروض، التخطيط الإستراتيجي وتقييم البرامج، إدارة العمل التطوعي.
المركز القومي المتخصص في الأعمال الخيرية والقانون:
وفي جامعة نيويورك (NCPL) New York University المركز القومي المتخصص في الأعمال الخيرية والقانون، وبرنامجه على النحو التالي: قانون المنظمات غير الربحية، المنظمات المعفاة من الضرائب، ما يتعلق بالمسائل الضرائبية في المنح الخيرية، قانون المنظمات غير الربحية، كما أن المركز يمنح أيضاً عضوية زمالة.
مدرسة إدارة الأعمال للمنظمات غير الربحية:
مدرسة إدارة الأعمال في جامعة (نورث بارك) لإدارة المنظمات غير الربحية « School of Businessnad Nonprofit Management” ويتبع نظام جديد يمنح شهادة عبر الشبكة في إدارة المنظمات غير الربحية، وماجستير في إدارة الموارد البشرية وماجستير في إدارة المنظمات غير الربحية، وشهادة في الأعمال الدولية، وشهادة في إدارة المنظمات غير الربحية، وشهادة في التسويق للمنظمات غير الربحية، برامج درجات البكالوريس في علوم الإدارة والاقتصاد ذات علاقة بإدارة الأعمال، إدارة المنظمات غير الربحية.
معهد إدارة المنظمات غير الربحية:
ويتبع جامعة (سان فرانسيسكو) – الولايات المتحدة الأمريكية ، وتأسس عام 1983 بوصفه أحد أوائل المراكز من نوعه، واحتل المعهد دور ريادي في التعليم والبحوث في مجال الأعمال غير الربحية والخيرية والبحوث والمطبوعات والمؤتمرات التي نادت بالعمل الخيري تجاه الأقليات العرقية وتحسين التعليم في مجال إدارة الأعمال غير الربحية وقيادة المجالس وتكامل الأعمال غير الربحية وتحسين البيانات في قطاع العمال غير الربحية وتقنية المعلومات في قطاع الأعمال غير الربحية والمرأة ونفوذها في قطاع الأعمال غير الربحية والمشاركة اللاتينية والآسيوية والأمريكية في القطاع وغير ذلك من الأنشطة.
مركز الهبات في جامعة إنديانا :
جامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أولى الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية التي اهتمت في التاريخ والثقافة والقيم المتصلة بنشاط العمل الخيري فضلاً عن المهارات المطلوبة للإدارة الفعالة للمنشآت غير الربحية. وخصص مركز الأعمال الخيرية وحدة أكاديمية للجامعة لأغراض التعليم والبحوث والخدمة العامة في العمل الخيري.
مركز الإدارة العامة وإدارات المنشآت غير الربحية :
ويتبع «مركز الإدارة العامة وإدارات المنشآت غير الربحية» جامعة (ميتشغان) -الولايات المتحدة الأمريكية –
The Nonprofit and Public Management Center (NPM)
والمركز يعمل كما جاء في تعريفه على ترقية ورفع مستوى فهم مساهمات المنشآت غير الربحية وتحديات قيادتها بنجاح. وإتاحة وتوفير فرص دقيقة وشاملة لطلاب المدارس المهنية الذين يسعون لفهم دور الإدارة في المنظمات غير الربحية والعامة.
مدرسة الدراسات المهنية، جامعة (ريقيز) :
وتتبع جامعة ريقيز في الولايات المتحدة الأمريكية Master of Nonprofit “ Management ، وصممت برنامجها لنيل درجة الماجستير في إدارة المنشآت غير الربحية وفقاً لرسالة جامعة (ريقيز) لتقديم مستوى تعليم يركز على القيم ولتعزيز الالتزام بخدمة المجتمع. ودرجة الماجستير في إدارة المنشآت غير الربحية هو برنامج مكثف (ينفذ في وقت وجيز) يقدم دورات تعليمية مكثفة على أسس إدراكية وتطبيقية لتدريس من هم يرغبون في إنجاز درجة الماجستير في إدارة المنشآت غير الربحية وفي الوقت نفسه يتم تعزيز مهاراتهم القيادية والإدارية في إطار الأعمال غير الربحية.
جامعة ساوث بانك – بريطانيا :
من التخصصات التي توفرها جامعة ساوث بانك في بريطانيا: المحاسبة والإدارة المالية للأعمال الخيرية، والتسويق وجمع التبرعات للأعمال الخيرية، وإدارة القطاع غير الربحي والتطوعي، ففي برنامج المحاسبة والإدارة المالية للأعمال الخيرية تعطى جوانب إدارة الأعمال الخيرية وأوجهها التي تختلف عن القطاعين العام والخاص، ودرجة الماجستير بالقطاع التطوعي تتلاءم أكثر مع توجه وميول أي مدير مالي يعمل في ذلك القطاع. أما برامج درجة الماجستير في جمع التبرعات والتسويق في المؤسسات الخيرية وتتلاءم مع ميول أي مدير أو ممول في قطاع العمل التطوعي بصورة عامة أو في قطاع عمل خيري بصورة خاصة، والشهادة في إدارة العمل الخيري ملائمة الإداريين والمدراء العامين لمؤسسات الأعمال الخيرية متوسطة الحجم التي تسعى للحصول على معرفة مهنية لجوانب تخصصية في الشؤون المالية والقانونية للعمل الخيري، وكما أنها تتيح مدخلاً إلى المؤهل الرئيسي للسكرتارية والإداريين المرخصين.
دبلوم إدارة الأعمال الخيرية والتطوعية :
ويمنح من جامعة الملك عبد العزيز في السعودية، وقد تفردت تلك الجامعة في هذا المجال في العالمين العربي والإسلامي بمنح دبلوم متخصص في إدارة الأعمال الخيرية والتطوعية ، ويتبع كلية الاقتصاد والإدارة قسم إدارة الأعمال تحت مسمى: دبلوم إدارة الأعمال الخيرية والتطوعية .
وبعض هذا العرض للمؤسسات الأكاديمية والعلمية المتخصصة في هذا المجال، أليس من حسن رعايتنا لتاريخنا الخيري والوقفي أن نسعى لتخصيص أكاديمية – عربية – تدرس أسس العمل الخيري وطرق إدارة المؤسسات الخيرية والوقفية، والتي لا شك أن لها خصوصية عن العمل الحكومي أو التجاري?!