شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

أوقاف منسية

daily2.500920.jpg

daily2.500920.jpg

 

الاثنين 20 جمادى الأولى 1437هـ 29 فبراير 2016 م

اسمحوا لي أن أصطحبكم اليوم في رحلة عبر الزمن، لكن هذه المرة إلى الماضي وليس إلى المستقبل، سنعود إلى الوراء مئات السنين، لنرى ما يدور في أزقّة ودور بلاد المسلمين!

أول ما صادفنا باب تقف عنده مجموعة من الخدم والفقراء، يدخل أحدهم حزينا مكسور الخاطر مثل الإناء الذي يحمله ويخرج سعيدا مبتهجا، وعرفنا أن هذه دار لوقف “الزبادي”، جمع زبدية، أي الآنية، ومعلوم أن الأواني تصنع قديما من الخزف أو الزجاج وكلها قابلة للكسر، ولكيلا يتعرض الخدم للتوبيخ أو الطرد عند كسر أواني مخدوميهم الفاخرة أو النادرة فقد أسس هذا الوقف لشراء الأواني الخزفية، وما على الخادم سوى إحضار الآنية المكسورة واستبدالها بجديدة، لجبر خواطرهم وحفظ كرامتهم! وبجانب الباب مبنى جميل لبيمارستان “مستشفى”، وعندما دخلنا لزيارة أحد المرضى وجدنا عند رأسه ممرضَين لا يراهما، لكن يسمع حديثهما حول حالته ومرضه، فيسأل أحدهما الآخر: ماذا قال الطبيب عن حالة فلان؟ فيجيبه الآخر: لقد قال: إنه بأحسن حال، وشفاؤه قريب، فيبعثان الأمل والتفاؤل في نفس المريض ويشفى سريعا، وعند خروج المريض يمنح كسوة ومبلغا من المال يعينه في حياته، من وقف يدعى “مواساة المريض”!

وعند مغادرتك المستشفى ستجد أمامك قصرا منيفا، بابه لا يقفل أبدا على مدار الساعة، ووضع لاستقبال المسافرين والغرباء وأصحاب الحاجات هم ودوابهم، وحال دخولهم سيجدون الأكل والشراب دون أن يطلبوه، حتى دوابهم ستجد الماء والكلأ! وحين يحل الظلام ستسرك تلك الترانيم والتراتيل العذبة تتردد في الأرجاء، خصص لها مؤذنون أو أشخاص يتمتعون بحسن الصوت، لتسلية المرضى والمسافرين طوال الليل، وقبل أن يحين آذان الفجر، في وقف عُرف بـ “مؤانسة الغريب والمريض”. ولو أحببتم أن تقيموا أو تشاركوا الناس في أفراحهم فستجدون من يعيركم الحلي والملابس وأنواع الزينة لإتمام أفراحكم، دون شعور بالنقص أو الخجل من الوضع المادي في “وقف الأعراس”!

أما النساء اللاتي على خلاف مع أزواجهم فهيئت لهم دار سميت بـ “وقف الغاضبات”، ستجد فيها كل ما تحتاج إليه إلى حين إصلاح أمورها مع زوجها، فتعود معززة مكرمة!

وأنت تعبر الأزقّة ستشاهد تلك القباب المغطاة بالحبوب والغلال والممرات المائية التي صنعت خصيصا لتحط عليها الطيور، فتحصل على غذائها وشرابها، كما أنك لن تشاهد كلبا ضالا ولا قطة عمياء أو عرجاء ولا خيلا عجوزا تخلى عنه صاحبه، فقد خصصت لها أماكن للعناية بها وإطعامها ومعالجتها!

 

هذه كانت صورا عجيبة ومنسية للعمل الخيري “الوقف” في حضارتنا الإسلامية، قلدنا فيه الغرب في مشروعهم المسمى “ترست”، بعد اطلاعهم على حضارة المشرق وبلاد الأندلس!

المصدر: صحيفة الاقتصادية السعودية.