أكد خبير اقتصادي أن رؤية المملكة 2030 أولت قطاع الأوقاف اهتماماً كبيراً وفتحت المجال أمامه باعتباره القطاع الثالث، مشيراً إلى وجود مكاتب خاصة لتقديم النصح والتوجيه والإرشاد والدراسات الاستشارية.
وقال الدكتور إبراهيم بن محمد بن علي الحسون أستاذ الاقتصاد والإدارة المساعد بجامعة القصيم، ورئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية للاستثمار والتمويل: إن الاستثمار الوقفي في القطاع الخاص أكفأ من القطاع الحكومي الذي تتسيده البيروقراطية والتعقيد الإداري الشديد.
وتناول د. إبراهيم الحسون في حواره مع «الجزيرة» عدداً من القضايا المتعلقة بالوقف وشجونه، وواقع هيئة الأوقاف العامة، ونظار الوقف، والاستثمارات الوقفية وغيرها.. وفيما يلي نص الحوار مع د. الحسون ذي السجل الحافل في المجالين العلمي والعملي.
بحكم تخصصكم في الاقتصاد.. كيف يمكن أن يكون الوقف شريكاً رئيسياً في دعم الاقتصاد الوطني والتنمية في المملكة..؟
– الوقف أحد مكونات القطاع الخيري الكبير والذي لابد من أن يتم دعم التوسع فيه ليكون شريكاً رئيسياً في عملية التنمية في المملكة.. فالوقف قد يساهم في إنشاء مشروعات خيرية تؤدي خدمة كبيرة للمجتمع وتتحمل جزءاً من العبء الذي كان من الممكن أن تتحمل الدولة كبناء المساجد ومراكز التأهيل الشامل ودعم المستشفيات والمراكز الطبية والتعليم إضافة إلى الإنفاق الصحي على المحتاجين والفقراء وتوفير الخدمات الضرورية لهم، وعلى هذا فإن الوقف يدعم الاقتصاد الوطني من خلال مساهمته في توفير التمويل لبعض المشروعات التنموية.
تراجع الأوقاف وانحسار دورها في مجالات معينة مع عدم وجود آثار للوقف في المجتمع أدى إلى نزع الثقة عن ولاة الوقف.. ترى أين تكمن المشكلة..؟
– هذا التراجع خلال القرون الأخيرة ليس فقط على مستوى المملكة، بل على مستوى العالم الإسلامي بسبب تراجع التقدم العلمي والفقه والحضاري الذي عاشته الأمة وانعكس ذلك أيضاً على الأوقاف، ومع ذلك فإننا نلحظ في الفترة الأخيرة اهتمام وبداية بعث للوقف لاسيما مع التقدم والتطور في دراسات الاقتصاد الإسلامي، وفقه المعاملات، والتمويل الإسلامي لعلاقة الأوقاف اللصيقة بهذه التخصصات.
أما بالنسبة لنزع الثقة بولاة أو نظار الأوقاف فهذا أمر نسبي ليس إطلاقه، وذلك بسبب غياب التنظيمات والتشريعات الملائمة، وغياب حوكمة الأوقاف، وكذلك غياب الرقابة على هؤلاء النظار، وأيضاً غياب تسجيل بعض هذه الأوقاف ومعرفتها ومعرفة مصارفها الشرعية، وبالتالي إذا ما تم حوكمة الأوقاف أمكن لنا تفادي هذه المشكلة إلى حد كبير وأصبحت من السهولة بمكان متابعة ومراقبة ولاة الأوقاف لاسيما الكبيرة منها.
يتساءل الناس بصفة عامة وذوو الاختصاص على وجه الخصوص عن غياب هيئة الأوقاف العامة عن المشهد الاجتماعي على الرغم من مضي فترة ليست بالقليلة على إنشائها.. فما نصيحتكم للهيئة لتنشيط البرامج الوقفية واستثماراتها في المجتمع..؟
– الهيئة العامة للأوقاف هيئة حديثة النشأة نسبية صدرت بالمرسوم الملكي رقم 73 وتاريخ 25 صفر 1437 هجرية فهي مشغولة في وضع الأنظمة واللوائح ووضع إستراتيجيتها المستقبلية وتأسيس البنية التحتية لها وبالتالي فإن غيابها عن المشهد هو غياب متوقع ومبرر ومع ذلك لابد من التسريع في هذه الأمور، إضافة إلى إقامة علاقات واستقطاب مؤهلين في مجال الأوقاف من الناحية العلمية النظرية ومن الناحية العلمية التطبيقية.
ومن المتوقع بعد اكتمال هذه البنية الشاملة للهيئة أن تطرح برامج وقفية وتعمل على مبادرات في مجال الأوقاف تفيد المجتمع ويكون لها دور في الحوكمة، وتقديم النصح للأوقاف التي ليست تحت رقابتها وأحكام الرقابة على الأوقاف العامة التي تحت سيطرتها.
كمطلع ومتخصص في الشأن الاقتصادي هل ترى أن هناك رؤية واضحة لدى المعنيين بخصوص استثمار أموال الوقف..؟
– هذا الأمر يتفاوت من شخص إلى آخر ومن وقف إلى آخر، فالأوقاف منها ما هو صغير مثل: المحل التجاري أو منزل أو نخيل محدودة ومنها ما يكون أوقافاً ضخمة وكبيرة على شكل أسهم أو مجمعات عقارية، وكذلك قد تكون على هيئة مزارع ضخمة كبيرة ونحو ذلك.
إن استثمار أموال الأوقاف وخصوصاً الكبيرة منها يفترض أن يدار باحترافية وبمهنية عالية ويقوم عليه خبراء ومستشارون لهم باع طويل في هذا المجال، بحيث تكون مبنية على دراسات اقتصادية وعلى أسس علمية بعيدة عن الارتجالية والعفوية، كما أن هذه الاستثمارات يجب أن تتنوع وأن تشمل السوق المحلي والدولي.
بعض الفقهاء نصوا صراحة على أنه لا يجوز مخالفة شروط الواقف، وأن شرط الواقف كنص الشارع، ولكن الناظر لواقع الأوقاف وتعطلها والخروج عن مسارها الصحيح أحياناً يحتم التدخل من الجهات المعنية.. رأيكم..؟
– شروط الواقفين محترمة لأنهم هم من وضع هذه الأوقاف وهم أصحاب التصرف فيها وبالتالي ما دامت موضوعة في مجالها الصحيح وليس فيها مخالفة شرعية فيجب التقيد بها تماماً.
أما قول البعض من أن شرط الواقف كنص الشارع فهذا قول لبعض الفقهاء ومقصدهم ليس بوجوب الطاعة المطلقة وإنما تفسر نصوص الواقف كما تفسر نصوص الشارع الحكيم إلا إذا تعطلت تعطلاً كلياً أو تعطلاً أغلبياً فإنها تغير أو تنقل، ولكن لابد أن يكون ذلك تحت إشراف المحاكم الشرعية والقضاء الشرعي وحسب ما تقتضيه المصلحة.
من خلال متابعتكم لواقع الأوقاف.. هل ترون أن هذا القطاعات تدار بعقلية الفقيه وليس الاقتصادي المستثمر..؟
– جزء كبير منها يدار بعقلية عادية أي أنه لا حالة أو يبذل جهوداً في هذا المجال ولا يود أن يتحمل المخاطر ولو فرض للناظر على الواقف نسبة معقولة ومجزية من عائد أو أرباح الوقف لكان ذلك دافعاً من أجل أن ينميه ويبذل أقصى ما يستطيع من الجهد من أجل استثماره، أما الأوقاف الكبيرة منها فإنها تدار بعقلية اقتصادية جيدة ويقوم عليها خبراء ومستثمرون لا بأس بهم، وهذه الأوقاف لابد أن يتم فيها الضبط الشرعي والضبط الاقتصادي جنباً إلى جنب لتحقيق ديمومة الوقف لمدة طويلة.
في الوقت الذي يوجد فيه نماذج وقفية ناجحة ومميزة من قبل بعض الأفراد والجمعيات الخيرية إلا أنه يقابله إخفاق وقصور من الأوقاف الحكومية.. فما أسباب هذا التفاوت..؟
– من المعلوم لدى المتخصصين في الاقتصاد أن القطاع الخاص غالباً يكون أكفاء في الاستثمار من القطاع الحكومي فهو نهاز للفرص قادر على المبادرة وسريعاً في اتخاذ القرار، أما الأوقاف الحكومية فتعيقها البيروقراطية الشديدة والتعقيد الإداري الشديد والموافقات الكثيرة المختلفة مما يضيع الفرص الاستثمارية. إضافة إلى أنه قد ينعدم الحافز بالنسبة للأوقاف الحكومية لانعدام أو قلة العائد لنظار الوقف.
أما الأوقاف المناطة بالجمعيات الخيرية لا بأس بها فيقوم عليها مجالس إدارة متنوعة الكفاءات، وهناك توجه من الوزارات المختصة التي تتبعها هذه الجمعيات الخيرية إلى مزيد من الحوكمة، ومزيد من التوعية الاقتصادية والتثقيف اقتصادي من أجل أن يستمر هذا الوقف ناجحاً ويدر عائد وأرباح مجزية يتم الصرف منها على المجالات الخيرية التي حددها الواقف.
هل تعتقدون أن رؤية 2030 فرصة للأوقاف لاستكمال بنيتها القاعدية وهيا كلها وزيادة فاعليتها..؟
– بكل تأكيد رؤية 2030 أولت قطاع الوقف اهتماماً كبيراً وفتحت المجال أمامه بشكل كبير ودعمت هذا التوجه. والأوقاف مفردة من مفردات ما سمته الرؤية بالقطاع الثالث. فالفرصة أمامه واعدة والمجال أمامه مفتوح، وتوجد الآن مكاتب خاصة لتقديم النصح والتوجيه والإرشاد والدراسات الاستشارية مدفوعة الثمن، لمن يريد أن يعمل له وقف وبعضها قد يكون خيرياً.
كذلك هناك فرق بحثية استشارية من كافة التخصصات في فقه المعاملات وفي القانون وفي العمل الخيري وفي التمويل وفي الاقتصاد كل هؤلاء يضعون خبراتهم وتخصصهم في خدمة هذا القطاع وصياغة أساليب مثلى للوقف حسب نوعه، وحجمه، ومصارفه التي حددها أو يحددها الواقفون
المصدر: صحيفة الجزيرة