شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

الحماية القانونية للوقف

1.jpg

1.jpg

 

 

حماية القوانين للوقف من فجر الإسلام إلى العهد العثماني

ومما هو معروف في تاريخ الوقف، أن أول عمل بدأ به النبي  عهـده في المدينـة

المنورة بعد الهجرة من مكة المكرمة، كان بناء مسجد قُباء ليكـون أول وقـف ديـني فيالإسلام، ثم تلاه بناء المسجد النبوي الذي أقامه على أرض اشتراها من أيتـام مـن بـنيالنجار، شارك الصحابة في إنجازه، وفي بناء حجراته لنساء النبي  من حوله. ولم يبق أحدمن أصحاب النبي  لديه قدرة مالية إلا وقف وقفاً،  وسار المسلمون على هذا النهج،أسوة بفعل النبي ، واقتداء بفعل الصحابة. 

وفي العصر الأموي صار للأحباس بمصر إدارة خاصة تشرف عليها وترعاها، لأن الأوقاف كثرت كثرة عظيمة واضحة، خصوصاً في مصر والشام، وغيرهـا مـن الـبلادالمفتوحة، بسبب ما أغدقه الفتح على المجاهدين من الأموال والحدائق والحوانيت. وفي العصر العباسي الأول، أُوقفت الوقوف من الأراضـي للحـرمين الشـريفين وللمجاهدين ولليتامى، ولفك الرقاب، إضافة إلى بناء المسـاجد والحصـون وللمنـافع

العامة، ولهذه الكثرة من الأوقاف؛ أُوكلت مهمة الإشراف عليها إلى رئـيس يسـمى“صدر الوقوف”، وظل ذلك المنصب قائماً في الدويلات التي تلت الدولة العباسية. 

والقوانين التي كانت تحمي الوقف وتضبطه؛ هي الأحكام الشرعية حسـبما ورد في المذهب الحنفي غالبا، والمذاهب الإسلامية الأخرى في بعض الأحيان. ثم ازدادت الأوقاف بصورة ملحوظة، زمن الزنكيين والأيوبيين، ولعل ذلك يتصـل بالجهاد ضد الصليبيين، إضافة إلى النشاط العلمي المتمثل بإنشاء المدارسوكان نور الدين الزنكي (٤٩٧ – ٥٦٩هـ/١١٠٤-١١٧٤م) أول من أوقف من أراضي بيت المال بعد أن أفتى له بذلك بعض الفقهاء سنة ٥٨٥ هـ، وكان ذلك إرصاداًلا وقفاً في الحقيقة، ثم حذا حذوه صلاح الدين الأيوبي (٥٦٩ – ٥٨٩ هــ / ١١٧٤ –  ١١٩٣م) وسار على ذلك من جاء بعده من السلاطين، وخصصت الأوقاف لفـك الأسرى وعلى الأرامل واليتامى، وكل ذلك يشير إلى ظروف الجهاد ضد الصليبيين، واهتم صلاح الدين ومن جاء بعده بالمستشفيات، التي اعتمد معظمها على الإرصاد، وصـارت

للأوقاف ثلاثة دواوين: 

ديوان لأحباس المساجد، وديوان لأحباس الحرمين الشريفين وجهات البر المختلفـة،وديوان للأوقاف الأهلية. 

وفي زمن المماليك ( ٦٤٨- ٩٢٣هـ / ١٢٥٠ – ١٥١٦م ) توسعت الأوقـاف،وكثرت بشكل ملحوظ في بلاد الشام ومصر، لإضفاء بعض الشرعية علـى حكمهـم، وللتقرب من الشعب، وبعض هؤلاء رأى أن الوقف سبيل لتحصين أمواله، وتأمينها من يدالحكّام اللاحقين ومصادر ، وبالتالي يضمن أمواله لنفسه وأولاده من بعده.

٢ – حماية القانون للوقف في العهد العثماني

خضعت معظم البلاد الإسلامية للحكم العثماني، ومن الطبيعي أن تطبـق أحكـام الدولة على كل البلاد الخاضعة لها، فالحديث عن تنظيم الأوقاف في العهد العثماني يشملغالب البلدان الإسلامية.

وفي هذا العهد زادت الأوقاف، وشملت معظم مصادر الثروة الاقتصادية بمـا فيهـا السفن التجارية، والنقود، لذلك حرصت الدولة على تنظيم الإدارة الوقفية، وخصصـت بعض موظفيها للإشراف على الأوقاف ذات الصبغة العامة، وهي التي ينفق ريعهـا علـى المساجد والمدارس والمستشفيات، وتركت الأوقاف الذرية في عهدة القيمين عليها وكان من نتائج ذلك: 

توحيد عمل إدارة الأوقاف، وحصول وفرة في نفقات الإدارة والجباية، والصيانة.

تفرغ بعض الإداريين للاهتمام بالوقف، وتعيين إداريين جدد ليسوا أقرباء أو أنسباء الواقف، كما أصبح تعيين خطباء المساجد والأئمة والمؤذنين غير مرتبط برضا القيم.

تخصيص مراقبين ومدققين حكوميين في شؤون الوقف، بشرط توفر الوازع الـديني والأخلاقي للقيم على الوقف.

وأحدثت بعض الإجراءات لتتماشى والأوضاع الجديدة، من ذلك: عـدم العمـل بالاستبدال، وإصدار فتوى من بعض فقهاء المذهب الحنفي، أن يحلَّ الإمام الأوقـاف إذاكان بالمسلمين حاجة، وأخضعت بعض أراضي الأوقاف في هذه الفترة لضريبة الخـراج،ولضرائب إضافية. وكان قانون الأراضي العثماني ( الخط الهمايوني، الصادر في ٧ رمضان سنة ١٢٧٤هـ ) يعتبر الأراضي الموقوفة نوعاً خاصا من أنواع الأراضـي، إذ أن المـادةالأولى منه قسمت الأراضي إلى خمسة أقسام هي: الأراضي المملوكة، الأراضي الأميريـة،الأراضي الموقوفة، الأراضي المتروكة، الأراضي الموات. 

كما نصت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة الرابعة من قانون الأراضـي العثمـاني السابق، على أن الأوقاف إما صحيحة، أو غير صحيحة، فالأوقـاف الصـحيحة هـي العقارات المملوكة الموقوفة، وفقاً لأحكام الشريعة، والأوقاف غير الصحيحة هي الأراضيالمفرزة من الأراضي الأميرية التي أرصدت الرسوم والضرائب المفروضة عليها لمصلحة جهةخيرية، وتسمى هذه الأوقاف إرصادا. 

وصدر خلال العهد العثماني، الكثير من الأنظمة والقوانين الخاصة بالأوقاف، بهدف المحافظة على الأعيان الموقوفة، وتنظيمها، من ذلك: 

صدر (فرمان) في عهد السلطان عبد ايد سنة ١٢٥٩ هـ/ ١٨٤٣م. موجـه إلى النواب يتعلق بالدعاوى والمنازعات القائمة حول الأملاك الوقفية السـلطانية والخاصـة، ملخصها؛ أن تقام الدعاوى في المحاكم الشرعية، ولا تثبت الملكية إلا لمن بيـدهم حجـج وشهود.

وفي سنة ١٢٨٠هـ/١٨٦٣م في عهد السلطان عبد العزيز تمّ إنشاء ” نظارة الأوقاف العثمانية ” ومشيخة الإسلام في اسطنبول – وهي أول وزارة للأوقاف – بموجب قـانونحدد أنظمة الرقابة على أموال الأوقاف، واستيفاء الرسوم والانتقـال المتعلـق بالإجـارةالطويلة، والإيجارتين، وشروط الإذن باستبدال العقارات الوقفيـة، وأصـول معـاملاتالاستبدال، وكانت تعيينات الأئمة والمفتين، والقضاة الشرعيين تصدر ببراءة سلطانية عـنالباب العالي. 

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وفي سنة ١٣٠٤ هــ/ ١٨٨٦ م، صـدرت أنظمة العقارات ذات الإجارتين.

وفي سنة ١٣١١هـ/١٨٩٣م، صنف قدري باشا  قـانون العـدل والإنصـاف للقضاء على مشكلات الأوقاف، وهي محاولة فردية غير رسمية.

وفي عهد السلطان محمد رشاد وفي سنة ١٣٢٥ هــ / ١٩٠٧ م صـدر نظـام المقاطعة، والجدك، والاستملاك. 

كان آخر هذه القوانين، نظام توجيه الجهات سنة ١٣٣١هـ/ ١٩١٢م، وهو نظـام خاص بالأوقاف وما يرتبط من أعمال ووظائف، جـاء في المـادة الأولى منـه: ” إن المدرسية والخطابة والإمامة ووظيفة القيم وحافظ الكتب والمتولي، وما شابهها من خدماتالمؤسسات الوقفية تسمى جهة “، وقسم الجهات إلى جهات علمية؛ كالإمامة والخطابـةوالتدريس، وأخرى بدنية؛ كوظيفة القيم والخادم، وما شابه ذلـك. ووضـع الأنظمـة والقوانين لها، وأصول التعيين. 

ومن الملاحظ في هذا العهد، أن تنظيم الأوقاف ووضع القوانين، تمّ على أساس الفقه الإسلامي، مع محاولة محاكاة التنظيم الأوروبي.

وفي ظل هذه الأنظمة صنـّفت الأوقاف الخيرية كما يلي: 

الأوقاف المضبوطة: وهي الأوقاف التي تقوم بإدارة نظارة الأوقاف وهي التي وقفت من السلاطين على أن تكون بعهدة إدارة الدولة، أو الأوقاف الـتي انقـرض متولوهـاوضبطتها خزينة الأوقاف، أو التي اتضح من مصلحة الوقف الخيري ضبطها.

الأوقاف الملحقة: وهي التي يقوم بإدارة متولٍ مخصوص، إنما بإشراف نظـارة الأوقـاف ومحاسبتها.

الأوقاف المحجوزة: وهي الأوقاف التي تدار بواسطة نظارة الأوقاف مؤقتـاً ريثما يتم تعيينمتولٍ لها بسبب انحلال توليتها بموت، أو استغناء، أو عزل، أو ظهور خيانة.

الأوقاف المستثناة: وهي الأوقاف التي استثنيت من الضرائب والضبط والإلحـاق لنظـارة

الأوقاف، يقوم بإدارة متولٍ مخصوص، حسب شروط الواقـف، ويخضـع لمحاسـبة

القاضي الشرعي. ومن أشهر أوقاف هذا النوع تاريخياً، أوقاف الحرمين الشريفين.

وبموجب هذه الأنظمة تمّ كذلك تحديد الوضع القانوني لإدارة الوقف تجـاه المـال

الوقفي ضمن المبادئ التالية: 

– إنّ لكل وقف شخصية معنوية مستقلة.

–  مؤسسة الوقف تقوم بدور المتولي بالإشراف على شؤون الوقف وهي الممثل لـه عندعدم وجود متولٍ على وقف معين.

– إنّ التصرف بالمال الوقفي محدد بالقواعد الشرعية المتعلقة بشروط الواقفين وبجهـاتالبر.

– إنّ موارد الأوقاف هي من تحصيل واردات الوقفيـات المختلفـة، والرسـوم الـتي تستوفيها.

طُبقت هذه الأنظمة في جميع الولايات، وفي المقاطعات التي تخضع لها إلى أن سقطتالدولة العثمانية، وتجزأت البلاد الإسلامية إلى دويلات، وتقسيم هذه البلـدان بـين دولالسيطرة الاستعمارية.

٣ – حماية القوانين الوضعية لأعيان الوقف

بعد سقوط الدولة العثمانية وبعد سقوط الدولة العثمانية، بدأت السيطرة الأجنبية على معظـم بـلاد العـالم الإسلامي، وبدأ معها الوقف الإسلامي دون غيره، بالانكماش والضياع لعوامل متعـددة

منها: القرارات والأنظمة التي أصدرتها دول السيطرة الأجنبية، شكلاً للمحافظـة علـىالوقف، وضمناً للتضييع، والتفريغ من المحتوى. 

ومن يقرأ تاريخ الثورات الإسلامية، يجد الشيء الكثير من هذه النماذج، بدءاَ بالبلاد

العربية بجناحيها الشرقي والغربي، وفي سائر البلاد الإسلامية كالهند، وإندونيسيا، وألبانيـا،وغيرها، وغيرها. 

٤– حماية القوانين للوقف في دول الاستقلال والتحرر

وتجزأ العالم الإسلامي إلى دول، ثم جاءت حركات التحرر والاستقلال، في منتصفالقرن العشرين تقريبا، ووضعت حكوماتها قوانين وأنظمة، ومنها قوانين لتنظيم الوقـف،مثل: القانون رقم (٤٨) سنة ١٩٤٦م في مصر، أخذت به بعض الدول كسوريا حيـث حلّت الوقف الأهلي سنة ١٩٤٩م، وصدر في مصر سنة ١٩٥٢م قانون نص على إلغاء ماكان موجوداً من الأوقاف الأهلية، ومنع من إحداث أوقاف أهلية جديـدة، وفي العـراق صدر قانون سنة ١٩٥٥م ألغى بموجبه الوقف الذري، وفي لبنان صدر عن مجلس النـواب قانون تنظيم الوقف الذري بتاريخ ١٠ آذار ١٩٤٧م، وبعد ذلك صدر عن رئيس مجلـسالوزراء تعميم عدد (١٧) بإنهاء الوقف الذري وتنظيم الوقف الخيري، بتـاريخ ٢٠ أيـار١٩٤٩م.  ومما يتضمن:

عدم اعتبار الوقف موجوداً إلاّ إذا سجل في الدوائر العقارية.

وجواز إنهاء الوقف الذي صدر قبل العمل بالقانون أو بعده وكان مؤبداً.

نموذج من الحماية الجنائية لأعيان الوقف

وهذا نموذج مما صدر في مصر لحماية الأوقاف الخيرية حماية جنائية، جاء في المـادة (٣٧٢ ) مكررا من قانون العقوبات على أنه: ” كل من تعدى على أرض زراعية أو أرضفضاء أو مبان مملوكة للدولـة أو لأحـد الأشـخاص الاعتباريـة العامـة، أو لوقـف.خيري…وذلك بزراعتها أو غرسها، أو إقامة إنشاءات عليها، أو شغلها أو الانتفاع بهـا،بأية صورة؛ يعاقب بالحبس، وبغرامة لا تتجاوز ألفين من الجنيهات، أو بإحـدى هـاتينالعقوبتين، ويحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما يكون عليه من مبان أو غـراس، أويرده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته، فضلا عن دفع قيمة ما عاد عليـه مـنمنفعة، فإذا وقعت الجريمة بالتحايل أو نتيجة تقديم إقرارات أو الإدلاء ببيانات غير صحيحة مع العلم بذلك؛ تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على خمس سنوات،وغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تزيد عن خمسـة آلاف جنيـه، أو بإحـدى هـاتينالعقوبتين، وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين في حالة العود”.

الوعود والأحلام: 

لقد أخذت هذه الدول المتحررة، بمفاهيم وطنية وقومية واشتراكية في التنميـة، وراحت تتحمل العبء الأكبر في خدمـة رعاياهـا، ووعـدهم بالرفـاه الاقتصـادي والاجتماعي، مما دعا الوقف إلى الاعتذار عن تقديم الخدمات التي كان يقدمها، طواعية أوكرها، واقتصر دوره على خدمة المسجد وإنشائه، وما يتعلق به من إمامة وتدريس ديـني، وأنيطت هذه الخدمات بوزارة تسمى وزارة الأوقاف، أو بدائرة أوقاف، وبعض الـدول ألغته نهائياً من قاموسها، لأسباب تراها، مثل تركيا وتونس. 

الصحوة الوقفية، والحماية المطلوبة: 

لكن هذه الدول، نتيجة التطور السريع العالمي، والعبء المالي الناتج عنه، عجزت عن تقديم الرفاه الاجتماعي للمواطنين، الأمر الذي دعا الوقف أن يبرز، عارضاً خدماته مـن جديد، مع بداية القرن العشرين، وبداية القرن الحالي، وهذا يتطلب تنظيما جديدا للوقف،يتماشى مع التطور الزمني، ويحمي أعيان الوقف من التعدي والضياع، وهذا ما يتوسم منه.