استشارات المصارف والنظار
(30)
الوقف على أحد الأبناء
امرأة ترغب بوقف عقار على ابن لها بعينه دون إخوانه، وعندما بيّنت لها ضرورة العدل بين الذريّة حتى في الوقف، قالت: إنّها وهبت لكل ذريتها ما عدا هذا الابن خشية أنْ يتهوّر ويبيع العقار؛ لذا فإنّها تريد الإيقاف عليه لينتفع من العقار دون أنْ يبيعه، وعرضت عليَّ اقتراحا آخر، وهو أنْ تُوْقِفَ على ذرية ابنها، ويكون ابنها هو الناظر، وله حق السكنى، فهل يجوز لها الوقف على ابن دون إخوانه، وهل يجوز لها الهروب والاحتيال من عدم الجواز بالوقف على ولدها بحيث توقف على أحفادها وجعل ابنها ناظرا؟
الجواب:
مِن الحلول أنْ تهبه، والإيقاف على أحفادها ليس حلاًّ، ولا يجوز حتى يتساوى كما وهبت إخوانه، فهل كل مَن أراد أنْ يُوقِفَ، يقول: أخشى أنْ يبيع أولادي العقار؟، مع أنّ بيعه في بعض الحالات أفضل، لكن الوقف الذري لا بد مِن الاستفصال وذِكْر احتمالات المستقبل وخاصة إذا كان الوقف ذريّا، وبالذات لِمَا يوقف أرضا بيضاء» {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].
وعلى التفصيل في السؤال فإنّ هذا حق للولد، ولا يجوز حرمانه منه بحجّة التهوُّر، ولكن إن كان سفيهاً يُحجَر عليه، وإنْ كان راشداً يُدفَع إليه.
ومِن الممكن أنْ تهب له عقارا كبقية إخوته، وتشترط في صك الهبة ألا يباع لمدة معينة كعشر سنوات أو عشرين سنة، ولكن هل الأم مطالبة بالصرف على أولادها حتى تؤمر بالعدل بينهم، أم الأب (إنْ وُجِد) هو المطلوب منه العدل في القسمة بين أولاده؟
فالأمّ لم تؤمر بالإنفاق، بل الواجب الإنفاق عليها بغير ضرر، ولو أوقفت أو وهبت لأحد دون الغير لم تطالب بالعدل إلا إنْ قيل: إنها مأمورة بالعدل بعموم حديث: «اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» [1] .
ومسألة الوقف على بعض الأولاد دون بعض مسألة خلافية بين الفقهاء – رحمهم الله – ويبنون خلافهم فيها على خلافهم في مسألة «هبة بعض الأولاد دون بعض»، وعمدة هذه المسألة حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مع اختلاف رواياته، وللعلم ذهب جماهير أهل العلم إلى جواز هبة بعض الأولاد دون بعض، وإذا جاز في الهبة ففي الوقف أَوْلَى؛ لأنّ الهبة تختص بالعين والمنفعة، وأمّا الوقف فيختص بالمنفعة دون العين، وعليه: لا مانع أنْ تُوقِفَ بالصورة التي ذُكِرَت ،وتضيف ما صنعته مع إخوان الموقوف عليه بياناً للحال وإبراءً للذمّة، وحتى لا يَنْقِمَ عليها الورثة؛ لذلك لو أنّها وزّعت جزءا عليهم، وأوقفت جزءا آخَر مِن المال على ذرّيتها وذراريهم فهو أولى؛ فإنها بذلك تنفع ذريتها الحاضرة، وتُبْقِي للقادمة.
قالابن قدامةفي «المغني»:«والمستحب أنْ يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذَّكَر مثل حظ الأنثيين … فإنْ خالف فسوّى بين الذكر والأنثى، أو فضّلها عليه، أو فضّل بعض البنين أوبعض البنات على بعض، أو خصّ بعضَهم بالوقف دون بعض، فقال أحمد في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة، فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة. يعني: فلا بأس به. اهـ.
تأمّل في قول أحمد: «إن كان على طريق الأثرة فأكرهه»، وهذا كاف في جواب السائلة بصحّة ما فعلت.
وقال الشيخ ابن عثيمين في» الشرح الممتع»: «فلو وجدنا شخصاً وقف على بنيه ومات، فعلى المذهب ـ يعني الحنبلي ـ: نجري الوقف على ما كان عليه؛ لأن هذا ليس عطية تامة؛ لأن الوقف لا يتصرف فيه الموقوف عليه لا ببيع ولا شراء، لكن الموقوف عليه ينتفع بغلَّته. والقول الراجح: أننا نلغي هذا الوقف ولا نصححه، ويعود هذا الموقوف ملكاً للورثة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». اهـ.
للتحميل أضغط على أيقونة التحميل