الاثنين 1 رمصان 1437هـ الموافق 6 يونيو 2016م
استوقفتني دراستان – صادرتان عن بيتي خبرة عالميين – ناقشتا واقع الشركات العائلية في العالم العربي، و مساهتمها في التنمية الاقتصادية ، و العقبات التي تواجهها و سبل تخطيها. بينت الدراستان أن 95% من الشركات المسجلة في الممملكة العربية السعودية هي شركات عائلية ، و أن استثماراتها تزيد عن 300 مليار ريال، كما أنها ساهمت في توظيف 80% من القوى العاملة في المملكة العربية السعودية، كما أظهرت معدلات النتائج الاحصائية للدراستين أن نحو 30% فقط من الشركات العائلية يستمر للجيل الثاني ، و أن 13% منها يستمر للجيل الثالث
إن استدامة الشركات العائلية هو التحدي الرئيس الذي يواجهها، و كل التحديات الأخرى و الحلول المقترحة لها ، إنما هي متفرعة عن التحدي الرئيس و تهدف جميعها لتحقيقه. لم ألحظ فيما وسعني الاطلاع عليه من الدراسات و التقارير التي تعنى بالشركات العائلية أي مقترح لاجراء ناجع يضمن استدامة الشركات العائلية يمكن تعميمه على جميع الشركات العائلية في مختلف دول العالم ، و هو أمر أعزوه إلى اعتبارات اقتصادية و اجتماعية و دينية تظافرت جميعها فشكلت ثقافة خاصة بكل مجتمع انعكست على ثقافة المنظمات العاملة فيه. مما يبرز أهمية عمل دراسة شاملة عن الشركات العائلية السعودية تبنى على نتائج الدراسات و تستقى لها اجرءات و حلول من ثقافة مجتمعنا
خلصت الدراساتان – آنفتا الذكر – إلى أن أبرز إجراء يضمن استمرار الشركات العائلية لأجيال متعاقبة هو تحولها إلى شركات مساهمة عامة، و هو رأي وجيه حاز تأييد عدد من ملاك الشركات العائلية الخليجية. لكن السؤال الأهم في نظري هو: هل تحول الشركة العائلية لمساهمة عامة يضمن استمرار ملكية العائلة لها أم يضمن استمرار الشركة ككيان مستقل عنهم؟ و أرى – جوابا على هذا السؤال – أن تحول الشركات العائلية لشركات مساهمة عامة يضمن بالتأكيد استمرار الشركة ككيان مستقل عن ملاكها، نظير ما يتطلبه تحولها من تبنيها لاجراءات و اليات الحوكمة و مراقبة أدائها دوريا، لكن تحولها في – المقابل – قد لا يضمن بالضرورة استمرار ملكية العائلة لها ، فعلى المدى الطويل قد تتضاءل ملكية أفراد العائلة لاسباب مختلفة منها التوريث أو التخارج من الشركة ببيع حصصهم فيها
و لما كان مفهوم الوقف قائم على استدامة الأعيان الموقوفة و ضمان جريان ريعها على الموقوف عليهم، و بما أنه منهج ديني اجتماعي اقتصادي متكامل له ارتباط وثيق بثقافتنا، فإنني أقترح لضمان استدامة جريان أرباح الشركات العائلية على ملاكها الرئيسيين ، بعد تحولها لمساهمة عامة ، أن يوقف عليهم جزء من أسهم الشركة – كالثلث مثلا – و يستبقى جزء ملكا لهم و يطرح الباقي للاكتتاب العام. و يعين للجزء الموقوف على الملاك ناظر متخصص في تمويل الشركات عارف بادراتها و حوكمتها، يكون عضوا في مجلس إدارة الشركة، و يعمل على ضمان تعظيم أرباح الموقوف عليهم و باقي المساهمين بحكم نظارته على الوقف و عضويته في مجلس الإدارة
ختاما، استبشرت بما نشر في بعض الصحف خلال الاسابيع الماضية عن أن هنالك توجها لحث الشركات العائلية للتحول لشركات مساهمة عامة، و لعل مواكبة هذه الاجراء بالدعوة لوقف حصص من أسهم تلك الشركات على مؤسسيها من شأنه تعظيم الفائدة الاقتصادية المرجوة من استمرار الشركات العائلية ، و استدامة ريعها على مؤسسيها ، و اتاحة المجال
للأوقاف أن تضطلع بدورها في التنمية الاقتصادية.