شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

خدماتنا

الاستشارات
ادارة الأوقاف
صناديق العائلة
اثبات الأوقاف
الخميس 19 جمادى الأولى 1446 / 21-11-2024

بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف- الجزء الثاني

بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف – الجزء الثاني (2)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:

ففي المقال السابق تناولنا بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف من جهة الواقف، وفي هذا المقال بحول الله سنتناول بعض المحاذير الشرعية في الأوقاف من جهة المال الموقوف وأقصد بها بعض الأمور المخالفة للشرع والتي قد يقع فيها الواقف في وقفه والمتعلقة بالمال الموقوف، منها:

أولاً: عدم تعيين المال الموقوف بشكل ينفي الجهالة عنه:

فلقد ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط في العين الموقوفة أن تكون معينة فلا يصح وقف المبهم، قال الحنفية: يشترط أن يكون الموقوف معلوماً فلو وقف شيئاً من أرضه ولم يُسَمّه لا يصح؛ لأن الشيء يتناول القليل والكثير ولو بيّن بعد ذلك، إذ ربما يبين شيئاً قليلاً لا يوقف عادةً، ولو قال: وقفت هذه الأرض أو هذه الأرض كان باطلاً لمكان الجهالة([1]).

وذكر الشافعية والحنابلة أن الوقف لا يصح إلا في عينٍ معينة فإن وقف عبداً غير معين أو فرساً غير معين فالوقف باطل، وكذا لو وقف أحد داريه أو أحد عبديه لا يصح، لأن الوقف نقل ملك على وجه القربة والصدقة فلا يصح في غير معين كما لا يصح في عينٍ في الذمة كدار وعبد ولو موصوفا([2]).

وذكر المالكية – كما جاء في الشرح الكبير – أنه يجوز الوقف المعلق كقول الواقف: إن ملكت دار فلان فهي وقف. وعلق الدسوقي على ذلك بقوله: وانظر هل لا بد في التعليق من تعيين المعلق فيه أو يدخل فيه ما إذا قال: كل ما تجدد لي من عقار أو غيره ودخل في ملكي فهو ملحق بوقفي؟ أقول: المأخوذ من كلام الرصاع في شرح الحدود أنه إذا عم التعليق فإن الوقف لا يلزم للتحجير كالطلاق([3]) اهـ([4]).

ومما سبق يتبين لنا أن الوقف لابد أن يكون معلوماً حتى ينفذ هذا الوقف، إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم الوقف المجهول – الغير معين – على قولين والراجح القول بعدم صحة وقف المجهول لما يفضي إلى النزاع, ولكون إخراج من الملك فيجب التوضيح والتعيين للعين الموقوفة على الوجه الصحيح حتى لا يقع الإشكال([5]).

ثانياً: أن يتعلق بالعين الموقوفة حق للغير دون إذنه، كأن تكون مرهونة أو مؤجرة:

اختلف الفقهاء في صحة وقف العين التي يتعلق بها حق الغير كأن تكون مرهونة أو مؤجرة.

فذهب جمهور الفقهاء إلى صحة وقف العين التي يتعلق بها حق الغير، فنص الحنفية والمالكية على صحة وقف العين المرهونة أو المؤجرة وتعود العين بعد افتكاكها من الرهن وبعد انقضاء مدة الإجارة إلى الموقوف عليهم، ووافقهم الشافعية في العين المؤجرة.

وأما المرهونة ففيها عندهم وجهان:

الأول: وهو المذهب أنه يصح وقف المرهون كالعتق، لأنه حق لله تعالى لا يصح إسقاطه بعد ثبوته فصار كالعتق.

وفي الوجه الآخر عند الشافعية لا يصح وقف المرهون لأنه تصرف لا يسري إلى ملك الغير فلا يصح كالبيع والهبة([6]).

وقيد الحنابلة صحة وقف المرهون بما إذا كان الوقف بإذن المرتهن، لأن منعه من التصرف فيه لتعلق حق المرتهن به وقد أسقطه بإذنه وبطل الرهن لأن هذا التصرف يمنع الرهن ابتداء فامتنع معه دواماً([7]).

وهذا في الجملة إذ لكل مذهب نوع من التفصيل، فعند الحنفية: نقل ابن عابدين عن الإسعاف وغيره: لو وقف المرهون بعد تسليمه صح وأجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا، وإن كان معسرا أبطل الوقف وباعه فيما عليه.

وإن وقف المرهون وافتكه جاز فإن مات عن عين تفي بالدين صح الوقف ولا يغير، وإن لم يف ما تركه ما عليه من الدين فإن القاضي يبطل الوقف ويبيعه للدين([8]).

وقيد المالكية صحة وقف المرهون والمستأجر بما إذا قصد أن يكون موقوفاً بعد الخلاص من الرهن والإجارة لأنه لا يشترط في الوقف التنجيز([9]) اهـ([10]).

ثالثاً: أن يكون المال الموقوف غير مملوكاً للواقف:
لا يخفى أن الوقف لا يصح ولا يلزم إلا إذا كان الموقوف ملكاً للواقف في الجملة ، فملكية الوقف شرط لصحة الوقف([11])؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على منع الإنسان من التصرف فيما لا يملك، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبع ما ليس عندك »([12])، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا بيع إلا فما تملك»([13])، ولأنه تصرف في أصل العين بإخراجها عن الملك فلا ينفذ ذلك إلا من واقف مالك لهذا العين حتى يصح أن تخرج من ملكه.

وبناء على ما سبق: لا يصح وقف ما لا يملك.
أما إذا وقف ملك غيره دون إذنه فهو ما يسمى عند الفقهاء بالوقف الفضولي، وقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:

القول الأول: أن الوقف صحيح ولكنه موقوف على إجازة المالك الأصلي.
وهو قول الحنفية([14])، وقول عند المالكية([15])، ورواية عند الحنابلة([16]).

واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري من حديث عروة البارقي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ»([17]).
ووجه الدلالة: أنه تصرف فيما لا يملك على وجه المصلحة لغيره فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له بالبركة، ولأنه الواقف لا ضرر عليه فهو موقوف على إجازته.

القول الثاني: الوقف باطل وغير نافذ.
وهو قول عند المالكية([18])، وقول الشافعية([19]), والمذهب عند الحنابلة([20]).
واستدلوا بأدلة المنع من التصرف في ملك الغير كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبع ما ليس عندك »([21])، وغيره مما سبق الإشارة إليه.

ويناقش:
بأننا لم نعارض هذه الأحاديث وإنما أوقفنا انفاذ الوقف على إجازة المالك للعين الموقوفة.

الترجيح:
الذي يظهر والله أعلم صحة الوقف الفضولي إذا أجاز الواقف ذلك؛ لأنه لا ضرر عليه فيه حيث إنه موقوف على إجازته، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز التصرف الفضولي من الصحابي عروة .
وعليه فيقال للواقف أن عليه أن يكون مالكاً للعين الموقوفة قبل انفاذ الوقف وصياغة الصيغة الوقفية حتى لا يتعرض وقفه للإبطال([22]).

كانت هذه بعض الأمور المخالفة للشرع والتي قد يقع فيها الواقف في وقفه فيما يتعلق بالمال الموقوف ، فليتنبه لها، ولنذكر الناس بها، و«مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ ‌فَلَهُ ‌مِثْلُ ‌أَجْرِ ‌فَاعِلِهِ»([23])، ويتبع إن شاء الله تعالى بمقالٍ أخير يتناول بعض المحاذير الشرعية المتعلقة بالموقوف عليه.

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


([1]) البحر الرائق(5/ 203)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين(3/ 360).
([2]) المهذب(1/ 447)، ومغني المحتاج(2 / 377)، وشرح منتهى الإرادات(2/ 492).
([3]) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه(4/ 76).
([4]) الموسوعة الفقهية الكويتية(44/ 166).
([5]) حقيبة تدريبية بعنوان: «مشكلات الأوقاف وحلولها»، د.عبدالله بن محمد الدخيل وفقه الله.
([6]) فتح القدير(6 / 201)، وحاشية الدسوقي(4 / 77)، والزرقاني(7 / 75)، والمهذب(1 / 320)، وشرح منتهى الإرادات(2/ 234، 400، 376)، والمغني (4/ 401)، وأسنى المطالب(2/ 458).
([7]) شرح منتهى الإرادات(2 / 234)، (والمغني 4 / 401)، والإنصاف(5/ 153 – 156).
([8]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه(3/ 391، 395)، والإسعاف(ص:21).
([9]) حاشية الدسوقي(4/ 77)، وشرح الزرقاني(7/ 75).
([10]) الموسوعة الفقهية الكويتية(44/ 168).
([11]) ينظر: الدر المختار(4/348), الذخيرة(6/339), شرح مختصر الخليل للخرشي(7/84), نهاية المطلب(4/247), وروضة الطالبين(5/326), المغني(6/24), الإنصاف(7/34). وإن كان ثم خلاف بين أهل العلم في مسألة هل يشترط الملك في وقت الوقف بمعنى لو قال إن ملكت دار فلان فهي وقف هل يصح ذلك؟ الجماهير لا يصححون ذلك خلافاً للمالكية الذين يرون صحة ذلك.ينظر: حاشية ابن عابدين(3/497),وحاشية الدسوقي(4/76).
([12]) أخرجه أبو داود: (3503)، وصححه الألباني كما في الإرواء 5/132.
([13]) أخرجه أبو داود في باب الطلاق قبل النكاح برقم 2190. وصححه الألباني كما في الإرواء 6/173.
([14]) ينظر: بدائع الصنائع(5/148).
([15]) ينظر: حاشية الدسوقي(4/76).
([16]) ينظر: شرح المنتهى(3/130).
([17]) أخرجه البخاري (3642).
([18]) ينظر حاشية الدسوقي(4/76).
([19]) مغني المحتاج(2/21).
([20]) ينظر: شرح المنتهى (3/130).
([21]) أخرجه أبو داود: (3503)، وصححه الألباني كما في الإرواء 5/132.
([22]) حقيبة تدريبية بعنوان: «صور معاصرة للأوقاف»، د.عبدالله بن محمد الدخيل وفقه الله.
([23]) رواه مسلم(1893).

لطلب خدمة من خدمات ثبات فنسعد بتواصلكم معنا عبر إحدى وسائل التواصل في الأسفل?:
– الهاتف الثابت0112575757
– البريد الإلكتروني? info@thbat.com
– واتساب? 966555139386

ولطلب إستشارة فيمكنكم الدخول الى صفحة طلب الاستشارات وتعبئة نموذج الاستشارات (أضغط هنا)

لمعرفة خدمات الأوقاف التي تقدمها ثبات او الاستفسار عن خدماتنا نرجوا زيارة مواقع التواصل الاجتماعي

Social media?:

Twitter

YouTube

Instagram

FaceBook

WhatsApp

الهاتف الثابت?0112575757 من الساعةالـ8 صباحاًوحتى الساعة الـ6 مساءاً?

مصدر الخبر: ساعي الوقفية
?حماده اسماعيل فوده?