شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

توجهات العمل الخيري العربي … التحولات والتحديات

alt

alt

الخميس 2 جمادى الأولى 1434هـ 14 مارس 2013م

الثراء الفاحش…الفقر المدقع” ظاهرتان تفاقمتا بشدة في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة. واستدعى تزامنهما بذل مزيد من جهود العمل الخيري باتجاه تخفيف آثار الفقر وتطوير خطط إستراتيجية للتنمية المستدامة سعيا وراء تقليل الفجوة بين الأثرياء والفقراء. وقد لوحظ مؤخرا ظهور عدة مستجدات في بنية العمل الخيري العربي، دفعت مركز جون جوهارت للعمل الخيري والانخراط المدني، لإصدار تقريره الأول عن منافذ العمل الخيري العربي والذي حمل عنوان “توجهات العطاء العربي من العمل الخيري إلى التغيير الاجتماعي” ورصد التقرير التحولات في نوعية الفئات القائمة بالعمل الخيري وآلياتهم في العطاء ومصارف بذلهم .

وعرضت نتائج التقرير، الذي وزعت لأول مرة نسخته الإنجليزية، في مؤتمر عقد في مدينة دبي، حاملا عنوان التقرير نفسه في يناير 2008. وقد انعقد المؤتمر برعاية مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، وهي مؤسسة وقفية أنشئت عام 2007 للمساهمة في تطوير حالة المعرفة في العالم العربي. وقد أعد التقرير فريق عمل مركز جون جوهارت الذي تأسس عام 2006 تحت مظلة الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتترأسه الدكتورة باربرا إبراهيم. ويسعى المركز، بحسب صفحته الإلكترونية، إلى تدعيم ثقافة المسؤولية الاجتماعية والمواطنة الفاعلة في العالم العربي .

العمل الخيري العربي في مرحلة انتقالية

العمل الخيري قيمة أساسية من الثقافة الدينية العربية، وهي تتجلى في صورة الزكاة الإسلامية والعشور المسيحية والصدقات والأوقاف. وفي مقدمة التقرير ترصد بربارا إبراهيم أن التقارب الزمني والتجاور الجغرافي بين ظاهرتي تراكم الثروات، الناتجة عن تزايد أسعار البترول أو الاهتمام بالاستثمار، وتفشي الفقر وإلحاح التنمية المستدامة، خلقا جيلا جديدا من فاعلي العمل الخيري في العالم العربي ذوي توجهات مختلفة وآليات مستحدثة، وذهبت إلى أن التقرير يعد محاولة أولية لدراسة التوجهات المعاصرة في الجهات الفاعلة للعمل الخيري العربي وآلياتها وأهدافها في ثمانية دول عربية اختيرت لتنوع أطر العمل الخيري فيها وهي: مصر وفلسطين ولبنان والأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات .

تم تصميم التقرير بحيث يعطي نبذة مختصرة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والتاريخية في الدول محل الدراسة، ثم يوضح الملامح العامة للبيئة القانونية التي تحكم عمل القطاع المدني المحلي، وأخيرا يرسم خريطة للمؤسسات الخيرية المعاصرة في كل دولة مستهدفا رصد أشكال العمل الخيري. وقد اعترضت عملية جمع المادة عدة عراقيل كان أبرزها أن جهود توثيق العمل الخيري الحديثة لا زالت في بداياتها الأولى، إذ أحاطت التقاليد الدينية العطاء الخيري بالسرية الشديدة. يضاف لذلك تجنب نشطاء العمل الخيري الإفصاح عن أية معلومات خشية إساءة تفسيرها حكوميا واستخدامها ضدهم لاحقا، من جهة ثانية حالت الارتباطات السياسية لبعض المؤسسات الخيرية وخصوصا اللبنانية من توثيق مواردها ومصارفها، فضلا عن إعاقة الظروف السياسية عددا من الزيارات الميدانية في فلسطين .

وقد صنف التقرير الأطر المؤسسية المعاصرة للعمل الخيري في العالم العربي؛ في المؤسسات الفردية أو العائلية، والمؤسسات التابعة لشركات القطاع الخاص، والمؤسسات المحلية الصغيرة، والمؤسسات التي تديرها مجموعة من الرفاق. وأكد على أن المؤسسات الخيرية الدينية التقليدية كالوقف لازالت مزدهرة في دول مثل الكويت وقطر .

وتلخص بربارا إبراهيم السمات الأساسية للعمل الخيري في العالم العربي مؤكدة أنه يتجه نحو بروز دور أكبر القطاع الخاص، حيث تمهد الشركات طريقا لها في العمل العام وجهود تشكيل مجالات التنمية لضمان استثماراتها طويلة الأمد في المنطقة. على حين تلحظ أن مؤسسات العمل الخيري الدينية العريقة في المجتمعات العربية قد أخفقت في مواكبة الظروف المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمصارفها. وأن المجتمع لايزال حديث العهد في الدول العربية، وبدورها تستمر الحكومات في وضع العراقيل، أو على الأقل عدم التعاون، مع القطاع الخيري. وبالتالي تتشبث الآمال بجهود العمل الخيري للشركات، وتحديدا مفهوم “المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص” الذي يعني رصد مساهمة شركات القطاع الخاص في توفير حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الكبرى في مجتمعاتها، ومدى التزامها بتطبيق قوانين العمل وحماية الموارد الطبيعية

العمل الخيري في مصر…جدلية العلاقة مع الحكومة

بداية بالحالة المصرية، تشير منى عطية إلى أن توجهات الحكومة في التعامل مع القطاع الخيري تقلبت بتقلب التوجهات السياسية والاقتصادية. فبينما اتخذت عدة إجراءات في الخمسينيات والستينيات للقضاء على الأوقاف الإسلامية وتأميمها، سمحت الحكومة في التسعينيات، عقب تطبيق سياسات التكيف الهيكلي، بنشاط متنامي لمنظمات المجتمع المدني، لمواجهة تقلص الخدمات الاجتماعية الحكومية. كما تزايدت المؤسسات المدنية ذات الطابع الديني كجزء من الصحوة الإسلامية في المجتمع المصري. وقد حملت السنوات الأخيرة ظاهرة تأسيس رجال الأعمال وعائلاتهم لمؤسسات خيرية، وبدرجة أقل برزت ظاهرة المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في السياسات العمالية والبيئية، بدعم من الشركات العالمية ووكالات الأمم المتحدة. كما ازدهرت في مصر ظاهرة العمل الخيري المشروعاتي والذي تقوم فيه مؤسسات خيرية بتطبيق إدارة الاستثمار الإستراتيجي وممارساته على القطاع الخيري لبناء منظمات قادرة على توليد معدلات عالية من العائد على استثماراتها .

وفي المقابل، لا تعد البيئة القانونية في مصر مساندة لعمل المؤسسات الخيرية، حيث لا تزال القوانين قضت على الأوقاف الإسلامية سارية. أما قانون 84 لعام 2002- أحدث القوانين التي تنظم عمل المؤسسات الخيرية- فإنه يضع عددا من العراقيل الإدارية أمام إشهار المؤسسات الجديدة، ويعطي الحكومة الحق في مراقبة المؤسسات الخيرية وحلها في حالة وجود مخالفات. وتؤكد منى عطية أن العمل الخيري في مصر، المقدر بحوالي المليار دولار متداولة سنويا، يواجه عدة صعوبات أهمها؛ الافتقار إلى الثقة بين المؤسسات الخيرية والأجهزة الحكومية بسبب الخبرة التاريخية السلبية، ونقص جهات تدريب العاملين في مجال العمل الخيري، وغياب الوعي العام المحفز للأنشطة الخيرية .

العمل الخيري الأردني… رؤية جديدة

يتميز العمل الخيري في الأردن، وفقا لدينا شريف، بميزتين أساسيتين، الأولى: كون ثقافة العمل الخيري محل رعاية واهتمام الأسرة الهاشمية المالكة والثانية: الأدوار المتنامية للشركات في مجالات العمل الخيري، حيث قدمت الملكة رانيا اقترابا جديدا في جعل القطاع الخاص شريكا إستراتيجيا في التغيير الاجتماعي. ويقوم القطاع الخاص بالجمع بين تقديم الخدمات الإنسانية وبين دعم التنمية المستدامة. إلا أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص لا يزال غير منصوص عليه رسميا في سياسات الشركات الخاصة. وعلى صعيد أخر، يحتاج الإطار القانوني لنشاط المؤسسات الخيرية الأردنية لمزيد من التطوير والمساندة، حيث تخضع هذه المؤسسات لقيود إدارية وقانونية متعددة، كما يحق لوزارة الداخلية حل هذه المؤسسات. وفيما يتعلق بخريطة المؤسسات الخيرية في البلاد، فإن المنظمات الملكية الخيرية تبدو الأبرز، وتقدم المؤسسات الخيرية النماذج لجهود مأسسة الرفاهة الاجتماعية وتحقيق التخطيط الإستراتيجي للتنمية المستدامة، حيث تحولت تدريجيا من مؤسسات متلقية للمنح إلى مؤسسات مقدمة لها .

العمل الخيري السعودي… بين رعاية الدولة ورقابتها

“تعد العلاقة بين مؤسسات العمل الخيري والأفراد قوية للغاية وليس من المبالغة اعتبارها أقوى من نظيرتها بين المواطنين والدولة” هكذا يصف كريم شلبي حالة العمل الخيري في المملكة العربية السعودية. وتتشارك مؤسسات العمل الخيري السعودية في دوافعها الدينية، إلا أنها تتمايز في رسالاتها الاجتماعية والإنسانية المتعددة، وقد تنامت مؤخرا مساهماتها في جهود التنمية المستدامة .

وتنقسم المؤسسات الخيرية في السعودية إلى عدة أنواع :

1. القطاع الخاص والشركات: الذي يتجه جل عطاؤه نحو العمل الخيري الاجتماعي، وإن كان أخذ الاتجاه مؤخرا نحو العمل لتحقيق التنمية المستدامة. ومن الملاحظ أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص يتجلى في المملكة في أولوية توظيف المواطنين، فيما يعرف “بالسعودة”، باعتبارها قضية ذات بعد اجتماعي للقضاء على البطالة. وتوجد كذلك عدة برامج لبناء القدرات مدعومة من الشركات .

2. منظمات المجتمع المدني المنشئة بمراسيم ملكية: وهي ذات أفكار مبتكرة، لكنها لا تتناسب مع ما هو موجود بالفعل من برامج. وتجد هذه الأفكار طريقا للتداول في مجلس الملك وفي حال صدور مرسوم ملكي بإنشائها تعفى هذه المنظمات من إتباع الإجراءات الإدارية المطلوبة لإنشاء المنظمات المدنية الأخرى، فتتقدم بمشروعها وخطة عملها مباشرة للديوان الملكي، حيث تحظى برعايته المالية والمعنوية .

3. المؤسسات الحكومية التابعة لوزارتي العمل والشؤون الاجتماعية: وإطارها يتسع ليشمل بعض الجمعيات الوزارية التي تعمل في مجالي التعليم والصحة .

4. المؤسسات الخيرية الدولية: تعد المملكة من الدول الرائدة في الإغاثة الدولية إلا أن جمعياتها باتت خاضعة للرقابة القانونية والمالية المشددة عقب حوادث سبتمبر 2001، وتم تضييق الخناق عليها حتى أن بعضا من أهم مؤسساتها قد أغلق أبوابه .

ويرى كريم شلبي أن التطور في مجال العمل الخيري في المملكة جزء لا يتجزأ من مصفوفة التغيير في البلاد، حيث المبادرات من الجيل الجديد الذي استفاد من الاستثمار في التعليم، والاهتمام بالمشاكل المحلية بعد تقليص التوجه الدولي بعد أحداث سبتمبر، وتنامي الوعي والمسؤولية الاجتماعية .

المؤسسات الخيرية الفلسطينية… مؤسسات الدولة البديلة

ترصد هديل قزاز في الحالة الفلسطينية تفردا في دوافع مؤسسات العمل الخيري ومصادرها المالية وأهدافها ومجالات عملها. فالمؤسسات الخيرية الفلسطينية استفادت من مناخ الحرية النسبي وحرية التعبير، برغم الاحتلال والانقسام الداخلي، واستطاعت أن تبرز بصورة لافتة لمواجهة الضعف الوظيفي للمؤسسات الرسمية، سواء تحت وطأة الاحتلال أو في ظل السلطة الوطنية. وبالإضافة إلى مؤسسات العمل الخيري، توجد عدة شبكات للمنظمات غير الحكومية تعمل كمنتديات لتبادل المعلومات والتنسيق بين المنظمات المختلفة والمجتمعات المتلقية. لكن لا يوجد توثيق للأموال المتداولة في هذا القطاع الخيري. وتتركز مصادر العطاء الخيري الفلسطيني في ثلاثة مصادر هي: تبرعات فلسطيني الداخل، ودعم فلسطيني الشتات ومواطني عرب إسرائيل، وأخيرا العطاء العربي والإسلامي .

وعلى الصعيد القانوني، ينظم القانون رقم 1 لعام 2002 تبعية المنظمات المدنية والمؤسسات الخيرية لوزارة الداخلية، فهي الجهة المنوطة بتسجيل المؤسسات، وتملك حق حل المخالفة منها إلا أنه على صعيد الواقع تفتقر الوزارة الآليات اللازمة للرقابة المؤسسية بشكل يتعذر معه تنفيذ قراراتها، وفي المقابل، تقوم وزارة الشئون الاجتماعية بمراحعة برامج المؤسسات الخيرية وأنشطتها .

وتعتبر الظروف السياسية الداخلية والدولية من أهم محددات مساحة الحرية المتاحة للقطاع الخيري الفلسطيني، وعلى سبيل المثال أغلق الرئيس الفلسطيني عام 2007 ما يزيد على مائة مؤسسة غالبيتها تابعة لحماس، على حين جمدت الحكومة المقالة في غزة تسجيل أية مؤسسات جديدة. وعلى الصعيد الدولي، وضعت عديد من القيود على التحويلات المالية والمعاملات البنكية إلى المناطق الفلسطينية، بسبب ما يطلق عليه “الحرب على الإرهاب .”

المؤسسات الخيرية اللبنانية… وليدة الانفتاح والطائفية

في تقريره عن لبنان يقرن فادي شرابية بين تنامي العمل الخيري في البلاد من جانب وبين مناخها السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنفتح. ويلحظ أن الحرب الأهلية الطويلة تركت ظلالها على العمل الخيري، حيث تمتلك كل طائفة مؤسسات خيرية لدعم رعاياها، وذلك في مقابل عجز الدولة عن إحراز تقدم ملموس في مجالات التنمية. وعلى الصعيد القانوني؛ فرغم أن وزارة الداخلية تتدخل في أنشطة المؤسسات الخيرية، مخالفة في ذلك القانون الذي يحكم عملها، إلا أن المناخ اللبناني يعد الأقل تقيدا للعمل الخيري في العالم العربي. وتحمل الصورة العامة للعمل الخيري في لبنان ملامح العمل السياسي، فهي إما عائلية أو طائفية أو الاثنان معا، يستثنى من هذا المنظمات الخيرية الحديثة التي تعلن اهتمامها بكافة الطوائف اللبنانية. وهكذا نلحظ أنه رغم اهتمام القطاع الخيري بتقديم الخدمات الاجتماعية والمساهمة في خطط التنمية المستدامة، إلا أن الواقع الطائفي والشخصي في المؤسسات الخيرية خلق علاقات سياسية بين طرفي الخدمة، عمقت من حالة الطائفية في البلاد .

المؤسسات الخيرية في الخليج… الأوقاف الإسلامية في بنى معاصرة

في رصدها للحالتين الكويتية والقطرية، تشير ماهي خلاف إلى حفاظ القطاع الخيري في الدولتين على الصبغة الإسلامية ممثلة في مؤسسة الوقف، وتمكنها من إحداث تطوير ملموس على صعيد البنية المؤسسية للوقف ومصارفه. وهو ما يثبت عمليا إمكانية تكييف المؤسسة الوقفية للمستجدات بما لا يخل بمقاصدها الخيرية أو احتياجات الواقع المعاصر .

وفي هذا الإطار، تشيد خلاف بالحالة الكويتية التي عنت بمأسسة القطاع الوقفي الخيري مبكرا، حيث أنشئت الأمانة العامة للأوقاف عام 1993 كجهة تابعة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية. وعلى الصعيد القانوني، ينظم مرسوم مجلس الوزراء لعام 1999 عمل المؤسسات الخيرية فيما يتعلق بالتسجيل والأنشطة، إلا أن هذه المؤسسات ممنوعة من الانخراط في النزاعات الدينية والسياسية والدعوات العرقية أو الطائفية. وتعتبر ما هي أن أبرز ما يميز القطاع الخيري الكويتي هو الشفافية والكفاءة الإدارية العالية .

وتوجد عدة صور للمؤسسات الخيرية في الكويت :

1. المبرات: وهي في جوهرها أوقاف منشئة بمراسيم وزارية، يؤسسها عدد من الأفراد يحتفظون بأسمائهم وتبرعاتهم سرا، ولذلك كان من الصعب دراستها أو توثيقها .

2. منظمات المصلحة العامة ذات الفروع الخيرية: وتحظى بالثقة لدى المواطنين، إلا أنها واجهت قيود جمة بعد الحادي عشر من سبتمبر .

3. المبادرات الخيرية الحكومية: بمعنى الكيانات التي تنشئها الحكومة وتديرها لصالح الأعمال الخيرية، وهي تتسم كفاءة إدارية ومؤسسية عالية

4. العمل الخيري التابع للقطاع الخاص والشركات: وهو لايزال يدار من خلال أقسام داخلية في الشركات، ولم يتحول إلى مرحلة الكيانات المؤسسية المستقلة .

وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وضعت الحكومة الكويتية المؤسسات الخيرية المحلية تحت الرقابة المشددة، بحيث سنت قوانين مشددة لتنظيم جمع التبرعات وإنفاقها. وأنشأت قسما خاصا في وزارة الشئون الاجتماعية عام 2001 مهمته تنظيم أنشطة المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، وما يسترعي الانتباه خضوع العاملين فيه مسبقا لدورات تدريبية في الولايات المتحدة .

أما في قطر، فإن التعليم يتصدر أولويات المؤسسات الخيرية ذات الأهداف الإستراتيجية المنتقاة بعناية وصاحبة الشراكات الدولية المتعددة. وبالتالي، فإن أبرز المؤسسات الخيرية في قطر هي مؤسسة قطر للتعليم والعلوم والتنمية المجتمعية. وتجمع التجربة القطرية بين المؤسسات الدينية التقليدية والمؤسسات الحديثة، إلا أنه فعليا يمكن إدراك أن الثانية ما هي إلا تطوير للأولى. ومن الناحية القانونية تتبع المؤسسات الخيرية وزارة الخدمة المدنية وشئون الإسكان، إلا أن بعض المنظمات تلجأ لاستصدار مراسيم أميرية لتأسيسها لضمان الاستقلال الإداري أو تعميق الطبيعة الدولية لعملياتها. ويلاحظ أن المراسيم الأميرية باتت سلوك شائع بين المؤسسات الخيرية الخليجية للالتفاف على القوانين المعرقلة، والحصول على مساحة أوسع من الحرية لأنشطتها الداخلية والخارجية .

وتقف دينا شريف عند التجربة الإماراتية التي تشهد تغييرات قوية منذ بداية القرن الحادي والعشرين مع التراكم الهائل في الثروة، مما دفع كثير من الأسر الإماراتية الغنية إلى ممارسة العطاء الاجتماعي . وبرغم استمرار هيمنة الصيغ المؤسسية الدينية التقليدية للعطاء، إلا أن القطاع الخيري الإماراتي يتجه نحو المزيد من المؤسسية والحداثة حين يتعاطى مع قضايا التنمية المستدامة والتخطيط الإستراتيجي. وقد أعطى انخراط أفراد الأسر الحاكمة مثل آل نهيان والمكتوم والقاسمي في العمل الخيري زخما لهذه الممارسات المنتشرة اجتماعيا. وينظم القانون الإجراءات الإدارية المتبعة عند إشهار الجمعيات والمؤسسات الخيرية، إلا أن المنظمات الصادرة بمراسيم أميرية لا تخضع لكافة هذه الإجراءات، وهي تتمتع بمساحة أوسع من المرونة فيما يتعلق بجمع الأموال وإنفاقها .

خاتمة وتوصيات… مزيد من المؤسسية والوعي

شددت الخاتمة على كون التقرير بداية يتصور أن يعقبها دراسات أخرى تبحث توجهات العطاء في بقية الدول العربية، وتدرس واقع العمل الخيري العربي في الخارج، وقد رصدت عددا من التوجهات الإقليمية الهامة في مجال العمل الخيري والتي يمكن إجمالها على النحو التالي .

أولا: اتجاه أعدادا مطردة من رجال الأعمال نحو الاهتمام بالعمل الخيري، بما في ذلك تطوير المزيد من المصارف الحديثة والمتجددة في المجال الخيري .

ثانيا: تنامي الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص في مجالات العمل الخيري الاجتماعي .

ثالثا: تزايد المؤسسات التي تخدم منطقة بعينها بما يشكل محاولة لبلورة مشاركة شعبية مدنية .

رابعا: لا زال الإطار القانوني، في كافة السياقات المدروسة، مقيدا لتحقيق انطلاقة قوية في مجالات العمل المدني والخيري .

خامسا: إن تطور القطاع الخيري في العالم العربي، مرهون بحدوث تعاون وثيق بين مؤسسات المجتمع المدني التي تستطيع الوصول إلى الجماهير ورصد احتياجاتها، بمساعدة تمويلية من القطاع الخاص، في ظل بيئة قانونية مساندة من الحكومات .

وأخيرا قدم التقرير عدة توصيات لتطوير القطاع الخيري في العالم العربي :

1. توفير بيئة مناسبة للعمل الخيري، وبخاصة في مجالي القوانين والإجراءات الإدارية المنظمة .

2. تحقيق نقلة نوعية في أداء العمل الإداري عبر بناء شبكات للعاملين فيه وتبادل الخبرات والمعلومات فيما بين مؤسساته وبعضها البعض. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضرورة لتوثيق أنشطة العمل الخيري وتحليلها، وتوفير التدريب والمساعدات التقنية للمؤسسات العاملة .

3. تقديم توعية عامة عن العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، وتوفير تغطية إعلامية جيدة لشركات القطاع الخاص المهتمة بالعمل الخيري .

4. صياغة ثقافة تدعم المشاركة المدنية والمسؤولية الاجتماعية بين الشباب العربي، من خلال تدريس مقررات تعليمية تبرز أهمية الانخراط في الأنشطة المدنية وتدعم العمل الشبابي .

نتائج وملاحظات ختامية

من خلال القراءة المعمقة للتقرير يمكن استخلاص عددا من النتائج نوجزها في التالي :

1. أن ثقافة العطاء متجذرة في المنطقة العربية، لأسباب دينية سواء مسيحية أو إسلامية. وقد ساعد ولوج فئات جديدة في ميدان العمل الخيري في العالم العربي، وتحديدا القطاع الخاص، على إضفاء بعض السمات المؤسسية المعاصرة عليها .

2. معظم المؤسسات الخيرية العربية تعد تطورا لمؤسسات دينية خيرية مثل الصدقات والوقف، مع وجود تغييرات في المصارف والبنى الإدارية، كما الحال في الكويت وقطر والإمارات، وهو ما يدحض ما ذهب إليه التقرير من إخفاق المؤسسة الوقفية في التطور بما يلائم الظروف المعاصرة .

3. لا تزال البيئات والأطر القانونية مقيدة وتتناسب مساحة الحرية المتاحة للقطاع الخيري العربي عكسيا مع مدى إحكام الدولة قبضتها على المجتمع؛ فالحكومة اللبنانية الهشة هي صاحبة السجل الأكثر تسامحا عربيا مع القطاع الخيري، بينما تتقلب نظيرتها المصرية بين التقييد الشديد والحرية المقيدة. ويستثنى في هذا الإطار، انتشار إنشاء المؤسسات المدنية في الخليج بمراسيم أميرية أو ملكية، باعتبارها وسيلة أصحاب النفوذ للالتفاف على الأطر القانونية المقيدة .

4. تؤثر العوامل السياسية على القطاع الخيري العربي بصورة ملموسة؛ فالصراع السياسي الداخلي في فلسطين جمد تسجيل مؤسسات خيرية في غزة، وأغلق العشرات في الضفة الغربية. ووضعت أحداث سبتمبر العراقيل أمام التحويلات البنكية إلى العالم العربي، كما قلصت من النشاط الدولي للمؤسسات الخيرية الخليجية، وقيدت أنشطتها المحلية .

5. يساعد اهتمام بعض العائلات المالكة وبخاصة في دول الخليج والأردن، على خلق بيئة مساندة للعمل الخيري، إلا أن تنامي دور المؤسسات الخيرية الملكية في مجتمعاتها ووفرة تمويلها، مقارنة مع نظيرتها غير الملكية، يلقى بظلال من الشك حول مدى مدنية الأولى وحقيقة الثقل النسبي للثانية داخل القطاع الخيري .

6. لا يزال العمل الخيري للقطاع الخاص في طور التشكل، خاصة بسبب ضعف الحوافز الضريبية والمناخ السياسي والقانوني المقيد. كما أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات لا يزال حديث العهد والتطور في العالم العربي .

إلا أنه يمكن توجيه عدة انتقادات للتقرير :

أولا: يعاني التقرير من عدم وضوح المفاهيم المستخدمة فيه، وتحديدا غياب الفروق الواضحة بين مفهوم المؤسسات الحديثة وتعريف المؤسسات الدينية التقليدية، وخاصة الأوقاف. فقد شملت المؤسسات الحديثة محل الدراسة في دول الخليج مؤسسات وقفية، من جانب آخر لم يوضح التقرير جوانب التحديث المحبذة في المؤسسات الخيرية المستحدثة؛ وما هي الدوافع أو المقاصد وما هي آاليات التطوير االمقترحة .

ثانيا: ركز التقرير على العمل الخيري المرتبط بالشركات والقطاع الخاص، بينما كشفت خريطة المؤسسات الخيرية العاملة عربيا كون هذا النوع لا يزال في المهد. كما طرح مفهوم المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص كمفهوم محوري في التقرير، بينما ظهر ضعف هذا المفهوم على أرض الواقع، حيث افتقرت معظم الدول العربية محل الدراسة في إحراز تقدم ملموس على صعيد هذه المسؤولية. ولعل بروز العمل الخيري للقطاع الخاص الغربي لا يستدعي بالضرورة القياس عليه في العالم العربي، حيث الأطر الثقافية والسياسية والقانونية متباينة عن نظيرتها الغربية .

ثالثا: تجنب التقرير الخوض المناقشة التفصيلية للقيود القانونية والإدارية والمالية التي خضعت لها المؤسسات الخيرية الخليجية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم أن القيود قد غيرت بصورة ملموسة من ملامح العمل الخيري الخليجي، من حيث فاعليه ومقاصدهم .

رابعا: تعد الدراسة رائدة في مجالها، إلا أنها لا زالت استكشافية، وتحتاج إلى تطوير ملحوظ سواء على مستوى الدول المدروسة أو التعمق في حالات الدراسة وتحديد المفاهيم بها .

  1. vباحثة دكتوراه في العلوم السياسية- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

المصدر: مركز القطاع الثالث للاستشارات والدراسات الاجتماعية.

http://3rdsector.org/magalat-and-anlises03.html

 

 

 

 

Â