شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

جنان سقر في مراكش كان محبسا على الحرم النبوي بالمدينة المنورة

 

الأحد 6 ذو الحجة 1436هـ الموافق 20 سبتمبر 2015م

عثرنا على عقد تحبيس جنان سقر على الحرم المدني الشريف مترجما إلى الفرنسية في كتاب

les fondations pieuses ( Habous) au Maroc depuis les orignes jusqu’à1956

joseph luccion

المؤسسات الخيرية ( الحبس) في المغرب منذ ظهورها إلى سنة 1956 طبع بالمطبعة الملكية بالفرنسية 11982، ص 136-137.

ويكتسب هذا العقد حجيته من كون المؤلف اشتغل موظفا بإدارة الشؤون الشريفة- مصلحة مراقبة الأحباس- منذ سنة 1919، وبها ترقى رئيسا لنفس المصلحة لينتهي إلى رتبة مراقب عام لها وذلك من سنة 1942 إلى سنة 1955. وإذا فللرجل دراية بالدقيق والجليل من وثائقها.

  جنان سقر في مراكش كان محبسا على الحرم النبوي بالمدينة المنورة

inShare

وقبل إطلاع القارئ على تعريبنا الخاص للعقد، ارتأينا أن نقدم له بفذلكة نبين من خلالها، معنى الحبس، وأركانه وأنواعه ومقاصده، حتى يكون على بينة من الوجدان الإسلامي الكامن وراء التنازل الفردي عن متاع الدنيا لفائدة مصلحة عموم المسلمين.

الوقف في اللغة الحبس. ويطلق المصدر. الوقف على اسم المفعول، فيقال هذا البيت وقف أي موقوف، ومن ثم جاء جمعه على أوقاف.

والفقهاء بعضهم يعبر بالحبس، وبعضهم يعبر بالوقف، فعندما يوقف العقار في وجه من أوجه الخير، فإنه يخرج من ملكية الواقف، ويصبح الموقوف في حكم ملك الله تعالى، فلا يدخل في ملك أحد من الناس، فلا يباع، ولا يوهب، ولا يوصى به، ولا يرهن ولا يورث، ولا يصبح موضوع ريع أو امتياز، لأنه خرج من ملكية الناس.

وتأسيسا على ذلك، فاركان الحبس أربعة:

1- المحبس (بكسر الباء).

2- المحبس (بفتحها).

3- المحبس عليه أو عليهم

4- الصيغة أي رضى المحبس المتضمنة في عقد الإشهاد.

ومن شرط التحبيس إحترام مقصدية المحبس وشروطه. جاء في المعيار للونشريسي: “إن ألفاظ المحبس كألفاظ الشارع، فيجب متابعة مدلولاتها باعتبار نصوصها وظواهرها”2.

فألفاظ عقد التحبيس تحمل على الحقيقة لأعلى المجاز. فمثلا من حبس عقارا على حفظة القرآن، لم يدخل فيه من كان حافظا ونسي، لأنه لا يطلق عليه حافظ إلا على سبيل المجاز باعتبار ما كان. وتختم عقود التحبيس عادة بهذه العبارة (ومن بدل أو احتال أو غيّر فالله حسيبه).

والوقف قسمان:

1- وقف خيري: وهو ما صرف فيه الريع في الحال ومن أول وهلة إلى جهة خيرية، كالوقف على الفقراء، والمستشفيات، والمساجد، ودور العجزة، وتعليم العلم، وملاجئ الأيتام، وبناء القناطر، وطبع كتب العلم، وبناء السقايات، والمقابر وإصلاح الطرق ونحو ذلك من القربات.

2- وقف معقب: وهو ما يقفه الإنسان على ذريته وأهله وأقاربه، ولا يؤول إلى الخير العام إلا بعد انقطاع نسل المحبس، واعتبرت الدول الإسلامية هذا النوع من التحبيس عبئا عليها ولهذا حاولت التخلص منه3.

والوقف إما وطني يستفيد منه، في حالتنا،المستحقون له من ساكنة المغرب.أو حبس في المغرب يوجه ريعه إلى الحرمين  الشريفين4.

وعقد حبس سقر الذي بين يدينا من هذا النوع، فهو حبس على الحرم النبوي، وقبر شهيد أحد سيدنا حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم.

2- شرح سيدي عبد السلام بن سيدي محمد الهواري لوثائق سيدي محمد بن أحمد بن حمدون بناني طبعة فاس 1949، ص 310.

3- أنظر بحثنا في هذا الموضوع في مجلة جامعة ابن يوسف من ص 247 إلى ص 272 العدد الرابع 2005.

4- وهناك أوقاف مغربية في نفس الحرمين الشريفين، كان المغاربة وعامة المسلمين يستفيدون منها متى توفرت فيهم شروط الحبس.

وهذا نص تعريبنا لنسخته5:

” الحمد لله6 أشهد الباشا أحمد بن المرحوم عمر بوستة المراكشي، أنه حبس جميع الجنان الذي له، المسمى سقر بما فيه من أشجار، مع النوبتين اللتين تسقيانه من العين المدعوة، عين الجديد، النابعة في سوق الخميس الخارجي والمقسمة إلى تسع نوبات. ويحد الجنان المذكور، سقر بما فيه من أشجار مسقية، من جهاته؛ وادي إسيل، وطريق القنطرة، وجنان بلبكار. حبسه حبسا مؤبدا ووقفا مخلدا على:

1- الأشخاص العشرة الذين يقرأون دلائل الخيرات في المسجد النبوي، بالمدينة المنورة، قبالة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

2- الطلبة الأربعة الذين يقرأون القرآن كله في المسجد النبوي، بنفس الطريقة، أي قبالة قبر رسول الله عليه السلام. وتكون القراءة من المصاحف التي سترسل إليهم لهذا الغرض.

3- الطلبة الأربعة الذين يقرأون القرآن كله، ودلائل الخيرات عند قبر شهيد أحد سيدنا حمزة ابن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل ليلة خميس.

4- خدام الحرم النبوي الشريف.

والمقدم على هذا الجنان المحبس ( بفتح الباء) هو مقدم الضريح العباسي السيد محمد بن علال، وبعده إلى كل من أؤتمن على هذه المهمة أي القيام على مصالح الضريح العباسي.

تطرح مصاريف الصيانة والمحافظة على ساقيه النوبتين، حتى تبقى في حالة جيدة، بحيث تضمن مردودية معتبرة للأصل الحبس الذي يستفيد من ريعه الحبس عليهم، والمشار إليهم في الرسم أعلاه. وبعد ذلك يرفع إليهم المقدم القائم على الأصل المحبس ما ينو بهم من العائد السنوي بواسطة رجل مؤتمن ثقة، وهذا الريع يقسم إلى 21 سهما، ويوزع كالتالي:

– سهم لكل طالب من الطلبة العشرة المكلفين بقراءة دلائل الخيرات، إلا المقدم فينو به سهمان.

– سهم لكل واحد من الطلبة الأربعة الذين يقرأون القرآن بالمسجد النبوي أمام قبر رسول الله عليه السلام.

– سهم لكل واحد من الطلبة الذين يقرأون القرآن ودلائل الخيرات قبالة قبر سيدنا حمزة عم النبي عليه السلام7.

– سهمان لخدام الحرم النبوي الشريف.

حرر في 24 شوال 1271 هـ ( موافق يوليوز 1855م).

فهذا العقد الأصيل لا غبار عليه سواء من حيث شكله أو مضمونه، ويتميز بميزة خاصة وتتمثل بمصادقة سلطان الوقت عليه وهو المولى عبد الرحمن بن هشام.

المصدر: موقع بوابة العالم على مراكش.