شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

روائع من الأوقاف العثمانية والتركية

s_2073d7a5e7ab8ae4da3a393712c5713f.jpg

s_2073d7a5e7ab8ae4da3a393712c5713f.jpg

 

الثلاثاء 1 ذو الحجة 1436هـ 15 سبتمبر 2015م

حينما كانت المرأة محرومة من حقوقها في أوروبا، كانت المرأة في العهد العثماني تشيد الأوقاف وتنوع منافعها، وتبدع في إخراج الجديد منها

في العهود الإسلامية أنشئت أوقاف خلدها التاريخ، حققت مقاصدها، وكانت روائع وثقها التاريخ، وما خطه الرحالة في كتبهم، والتراجم في كتب السير، أرشدنا إلى أوقاف لم تكن في الحسبان، فقد خصص في أوج حضارتنا وقف لكل مطلب وحاجة، ووراء كل وقف دافع وحكاية، فالوقف دلالة على أن هناك واقفاً، وموقوفاً عليه (الجهة التي ستستفيد من الوقف أو ريعه)، ووقف (عقار أو بستان أو كتاب…)، ووثيقة وقف (حدد فيها الواقف شروطه). وناظراً يرعى الوقف،  مجلساً للنظارة أحياناً، وعاملين في الوقف، ومنتفعين منه.

وسأخصص حديثي عن روائع الأوقاف في العهد العثماني، ومن ثم في تركيا اليوم، وسأبدأ أولاً بذكر روائع من الأوقاف في العهد العثماني:

– وقف بيت الطيور في اسطنبول: وهو مأوى وعشش للطيور بنيت من الحجر بطريقة هندسية رائعة وكأنها تحفة فنية نادرة في الشكل والمقصد، تزيد المدينة جمالا ورونقا؛ حيث توفر الحماية للطيور، وتؤمن متطلباتها من مأكل ومشرب، شيدت من أموال الوقف ويصرف عليها كذلك من المؤسسة الوقفية في الحضارة العثمانية. وما زال هذا الوقف متعة للناظرين والسائحين.

– خان المسافرين (كروان سراي): وهو مأوى يوفر لابن السبيل والمسافرين سبل الراحة والمعيشة والأمان، من إيواء وطعام وشراب واستحمام.. ويوفر سبل الراحة لثلاثة أيام، وبعدها يترك المجال لغيره ليستفيد مسافر آخر من ذلك الخان.

– وقف (لكل محتاج فاكهة): وخصص هذا الوقف لتوفير سلال الفاكهة لكل محتاج ومريض؛ لأن الفاكهة في موسمها تكثر ويتمتع بأكلها أهل القدرة على الشراء، وأما الفقير فالوقف يوفر له ولأطفاله سلة من الفاكهة بين حين وآخر.

– وقف إطعام الطيور في وقت الثلوج: وخصص هذا الوقف ليوفر الذرة ونثرها على الثلوج لكي لا تموت الطيور من الجوع في فصل الشتاء وعندما يكسو الثلج الأرض وتنقطع بالطيور سبل التقاط الطعام، وكان يموت بعض منها من الجوع، فكان هذا الوقف امتثالاً لقوله [: «وفي كل كبد رطب أجر».

–  وقف تجهيز العروس: وهذا الوقف خصص لتوفير جهاز للعروس الفقيرة التي تريد الزواج، ولا تجد ما يجعلها كمثيلاتها من النساء، فتأخذ ما تريد من باب الإعارة من كساء ومجوهرات وأدوات للتزين.

– وقف الحبر: وهو وقف خصص لتزويد العلماء والنساخ بالحبر حتى يستمر تأليفهم ونسخهم للكتب، وهذا من تقديرهم لمكانة العلم والعلماء، ونشر العلم بنشر الكتب.

– وقف أصحاب القوارب والحمالين: وقد خصص لمساعدة كبار السن من أصحاب القوارب والحمالين، الذين لا يتمكنون من الاستمرار في العمل بسبب كبر السن، فيحفظ كرامتهم ويرعى حاجاتهم.

– والأمة الإسلامية – ولله الحمد – أمة العطاء وفيها الخير الكثير، وما زال هذا الخير في الأمة، والزائر إلى اسطنبول اليوم يرى العديد من الأوقاف الحديثة، التي فيها من التميز والتجديد ما يجعلها روعة تضاف إلى روائع أوقاف المسلمين في العهود الإسلامية، أذكر منها:

– وقف آلتي نقطة: وهو وقف خصص لاستفادة المكفوفين منه، لقراءة المراجع لهم وكتبهم، عبر أشخاص تطوعوا لتسجيل قراءتهم في الكتب المخصصة للمكفوفين، في (استديوهات) أعدت خصيصاً لذلك، وتوضع في قرص مضغوط «سي دي»، وتكون متاحة للمكفوف لسماع كتاب بأكمله، ومراجعة أي فصل منه، فهو وقف خصص ريعه لقراءة الكتب على المكفوفين.

– وقف الرحلات: وهو وقف خصص لتنظيم الرحلات والتعريف بالمعالم، ولاسيما للأيتام والطلبة ضعاف الدخل، وتعريفهم بمعالم وطنهم، وتاريخهم، واعتزازهم بالانتماء لدولتهم.

– وقف تدريب النساء على الحرف والعمل: لأن المساعدات بلا مقابل تؤثر في النفوس السوية، فلا بد من العمل بمقابل، فهذا الوقف يدرب النساء، ثم يساعدهن في امتهان صنعة وحرفة من الحرف، وتعمل في هذا المجال.

– وقف نحن معك لمن احترق بيته، لأن من احترق بيته يؤمن بقدر الله عز وجل، يقوم أصحاب المعروف والحسنات بترميم وببناء الدار فوراً وتجهيزها وتأثيثها بما يحتاجه في معيشته.

– وقف تنظيف البحيرات: وقد خصص الوقف ليصرف من ريعه على تنظيف البحيرات، والمحافظة على جمالها، والحياة في مياهها، وتسهيل حركة المرور بها. وللجذب السياحي والذي يُعد مورداً اقتصادياً مهماً.

– وقف مدرسة جوشكن: وهي من المدارس الوقفية العجيبة والرائعة في أسطنبول، تحوي 8 مبان، على تلة مرتفعة، مطلة على منظر خلاب، تتبع فيها أحدث النظم التعليمية، وحققت نتائج وجوائز على المستوى المحلي والعالمي.

– وثقافة الوقف في تركيا من الموروثات التي انتقلت من جيل إلى جيل، وقد كتب محمد الفاتح في وثيقة وقفياته: بأنه قد أوقف ذلك الوقف من ماله الخاص الذي اكتسبه بفضل من الله تعالى ثم عرق جبينه. وكان محمد الفاتح حتى عندما يحاصر دولة ما، أو ينتظر الإمداد لفتحها، يأمر جنوده بشق الطرق وحفر الآبار ويقيم فيها الأوقاف، وحينما يسأل عن ذلك الفعل كان يقول: نحن مأمورون بإعمار الأرض.

 وحينما كانت المرأة محرومة من حقوقها في أوروبا، كانت المرأة في العهد العثماني تشيد الأوقاف وتنوع منافعها، وتبدع في إخراج الجديد منها، وكان التنافس لعمل الخير بين النساء فاعلاً؛ ففي السجلات العثمانية أكثر من 2500 وثيقة وقف لنساء فاضلات.ولم تكن المرأة مهمشة كما يحلو للغرب وصفها.

كتب أحدهم من الغرب عندما درس أوقاف تركيا، فقال: إن الإسلام جعل من الأتراك أكثر متصدقين في العالم، بل وتساءل بعضهم: هل الحضارة من الوقف، أم الوقف من الحضارة؟ وتساءل آخرون: أيهما أسبق الحضارة أم الوقف؟!

المصدر: موقع الفرقان .