شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

أوراق ملونة / الوقف الإسلامي شواهد حضارة وجمال عمارة (7)

alt

alt

الاثنين 16 ربيع الأول 1434هـ 28 يناير 2013م

تقديم الرعاية الصحية عني المسلمون بالرعاية الصحية وتطوير خدماتها، وخصصوا لها أوقافا وقفت على رعاية مرضاهم فانشأوا بما عرف بالبيمارستان (بفتح الراء وسكون السين (وهي كلمة فارسية مركبة من كلمتين (بيمار) بمعنى مريض أو عليل أو مصاب و (ستان) بمعنى مكان أو دار المرضى ثم اختصرت في الاستعمال فصارت مارستان كما ذكرها الجوهري في صحاحه. فكانت تقدم خدمات جليلة في علاج المرضى وإطعامهم ومتابعتهم سواء من المترددين عليها أو الوصول إليهم في منازلهم. ولقد انتشرت تلك البيمارستانات في العالم الإسلامي حيث لم تكن مهمتها قاصرة على مداواة المرضى، بل كانت في نفس الوقت معاهد علمية ومدارس لتعليم الطب، يتخرج فيها المطببون والجراحون..، «وكان منها الثابت ومنها المتنقِّل؛ فالثابت هو الذي يُنشَأ في المدن، وقلَّما تجد مدينة إسلامية – ولو صغيرة – بغير بيمارستان (مستشفى)، أمَّا المستشفى المتنقِّل فهو الذي يجوب القرى البعيدة والصحارى والجبال. وكانت المتنقِّلة تُحْمَل على مجموعة كبيرة من الجِمال – وصلت في بعض الأحيان إلى أربعين جملاً- وذلك في عهد السلطان محمود السلجوقي الذي حكم من سنة (511هـ/ 1117م) إلى سنة (525 هـ/ 1131م)، وكانت هذه القوافل مُزوَّدة بالآلات العلاجية والأدوية، ويُرافقها عدد من الأطباء».*

ويذكر تقي الدين المقريزي: ان أول من بنى البيمارستان في الإسلام ودار المرضى هو الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي في سنة 88هـ (706 م) وجعل في البيمارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق وأمر بحبس المجذَّمين (مرض الجذام) لئلا يخرجوا وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق.

ثم عرفت الخلافة العباسية أول بيمارستان كبير في تاريخها والذي أمر ببنائه الخليفة هارون الرشيد في بغداد العاصمة، ثم توالت بعده بناء المستشفيات (البيمارستانات) حسب نظام الوقف حتى أصبح لبغداد وحدها في مطلع القرن الرابع الهجري بها خمسة مستشفيات. ثم وصل الأمر إلى بناء أحياء طبيـة متكاملة وقد تحدث ابن جبير في رحلته «أنه وجد ببغداد حياً كاملاً من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة كان يسمى بسوق المارستان، يتوسطه قصر فخم جميل وتحيط به الغياض والرياض والمقاصير والبيوت المتعددة، وكلها أوقاف وقفت على المرضى، وكان يؤمه الأطباء والصيادلة وطلبة الطب، إذ كانت النفقات جارية عليهم من الأموال الوقفية المنتشرة ببغداد». وعرفت مصر المستشفيات التي أنشئت فيها بفضل أموال الوقف كالذي أنشأه الفتح بن خافان ومستشفى أمير مصر أحمد بن طولون والمستشفى التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي. وتحدث المؤرخون والرحالة عن المستشفى التي أنشأه الملك قلاوون بمصر، وجعله وقفاً لعلاج مرضى المسلمين، قال عنه ابن بطوطة «إنه يعجز الوصف عن محاسنه، وقد أعد فيه من الأدوية والمرافق الخدمية ما لا يحصى». وكثرت المنشآت الصحية بمدن الأندلس حتى ان مدينة قرطبة وحدها كان بها خمسون مستشفى، أوقفها الخلفاء والأمراء والموسرون. وكذلك الحال في المغرب الأقصى حيث انتشرت المستشفيات في أهم المدن وتحدث عنها المؤرخون بإسهاب، ومن أهمها مستشفى سيدي فرج بفاس التي خصص جزءا منها لعلاج طير اللقلاق، وجزءا خصص للموسيقيين الذين يزورون المرضى مرة كل أسبوع للترفيه عنهم.

كما اشتهرت عديد من البيمارستانات في أجزاء متفرقة من العالم الإسلامي اعتمدت في تمويلها على الوقف بالدرجة الأولى.

المصدر: صحيفة الرأي الكويتية.

http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=410078&date=28012013