شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

الوقف في الشريعة الإسلامية

الوقف في الشريعة الإسلامية
اهتمام أهل (نجد) به.. وأشيقر تزخر بوثائقه

عبدالرحمن بن منصور أبا حسين

    الجمعة 11 / شوال / 1429هـ        10/ أكتوبر / 2008 م

لوقف سنّة إسلامية حميدة، وهو من محاسن الإسلام وآثاره السامية، به يتحقق التكافل الاجتماعي وهو مورد اقتصادي مهم في بناء الفرد والمجتمع، شامل لجميع مناحي الحياة، تقوى به أواصر المحبة والترابط والتلاحم، يُصير المسلمون كالجسد الواحد، رحماء بينهم (المسلم أخ المسلم) يُكسب صاحبه الأجر والثواب ويخلد ذكره بين العالمين.
ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أن شرع لهم أعمالاً صالحة تستمر بعد موتهم ويصل إليهم ثوابها، كما جاء في حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدرم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، والوقف: من الصدقة الجارية، وقد عرّفه الفقهاء شرعاً: بأنه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، ولفظ سبَّل وحبَّس ووقف كلها بمعنى واحد.
والوقف كما في حديث ابن عمر (لا يُباع ولا يوهب ولا يُورث). وأشار الفقهاء إلى ما يصح وقفه وهو العقار الثابت: كالدار، والبستان، والأرض وكذلك المنقول: كالكتب والمصاحف والسلاح والأثاث وكل ما يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه.
والأصل في مشروعية الوقف الكتاب والسنّة والإجماع – في الجملة – قال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.. والوقف من فعل الخير المأمور به، ومن أفضل القرب المندوب إليها (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تسعدون وتفوزون بالجنة.
وقال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، جاء في البخاري – 2769 – من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبَّ مالِهِ إليه بَيْرُحاء مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيَّب، قال أنسٌ: فلما نزلت (لن تناولوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن الله يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}وإن أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحاءُ وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله فضَعْها حيث أراك الله فقال: بَخ ذلك مالٌ رابحٌ، وقد سمعتُ ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعلُ يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه).
وفي البخاري أيضاً في باب الشروط في الوقف برقم 2737 عن ابن عمر رضي الله عنه (أن عمرَ بن الخطاب أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي ژ يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبتُ أرضاً بخيبر لم أصبْ مالاً قط أنفس عندي منهُ فما تأمر به قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمولٍ).. قال ابن عمر أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام صدقة عمر، وفي الحديث صحة شرط الأكل من الوقف، واستثناء الفلة مدة حياته ونحو ذلك، فإن عمر رضي الله عنه كان هو الوالي على وقفه مدة حياته وكذا جماعة من الصحابة قال ابن القيم: وهذا جائز بالسنة الصحيحة والقياس الصحيح وهو مذهب فقهاء الحديث.
وأخرج ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثه، أو مسجد بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته).
ووردت خصالٌ أخرى بالإضافة إلى هذه فيكون مجموعها عشراً، نظمها السيوطي فقال:

إذا مات ابن آدم ليس يجري
عليه من فعالٍ غير عَشْرِ
علوم بثها، ودعاء نجلٍ
وغرس النخل والصدقات تجري
وراثةُ مصحفٍ، ورباطُ ثغرٍ
وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيتٌ للغريب بناه يأوي
إليه، أو بناء محل ذكرِ

وقد وقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار على هذا المسلمون في كل عصر ومصر في كافة البلدان الإسلامية منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الوقف، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف).
الأوقاف في نجد
لقد حرص أهل (نجد) في المدن والقرى على كافة أعمال البر، وأعطوا الأوقاف بنوعيها جانباً من الاهتمام، سواء ما كان على الأحفاد وما تناسلوا ثم على الفقراء عند انقطاع العقب، ويسمّى بالوقف الذّري، أو النوع الثاني وهو ما كان على أبواب الخير ابتداء ويسمّى الوقف الخيري، والنوع الثاني هو الأكثر شيوعاً والأشهر في منطقة (نجد).
ومن أنواع البر والإحسان التي كانوا يحرصون على عملها بناء المساجد، وتوقيف عقارات ثابتة يُصرف ريعها للإمام وما ينوب المساجد من ترميم وسُرُج، ويقومون بحفر الآبار بجوار المساجد وعمل أوقاف تصرف فيما تحتاجه الآبار من دلاء وأرشية وعوقدة، أما جانب التعليم فقد حظي بكثير من الاهتمام، فقد كثرت الأوقاف على المدارس (الكتاتيب) وعلى معلميها وكذلك وقف المصاحف والكتب والمكتبات على طلبة العلم.
ولهم عناية خاصة بالأضاحي والحجج والفقراء والمساكين وتفطير الصائمين ويدل على ذلك كثرة الأوقاف على هذه الجوانب، وقد اهتموا بالشؤون العامة كطارقة مرض أو مجاعة تعم البلد.
أشيقر تزخر بوثائق الأوقاف
أشيقر – من البلدان (النجدية) التي تزخر بوثائق الأوقاف بنوعيها، فالأوقاف على الصوام كثيرة جداً وهي الأشهر في أوقاف البلدة، ولذا دونت في سجل خاص بها ويتولى الإشراف عليها وكلاء على مر السنين إلى يومنا هذا – وسنتحدث عنها ضمن هذا المقال – كما توجد أوقاف على الضيف يجمعها أمير البلدة كل عام، وقد دونت في سجل خاص بها شاملة كل بساتين البلدة صغيرها وكبيرها دون استثناء، كما يوجد أوقاف على الفقراء والمساكين والأضاحي والحجج وكذلك على الذرية، والسرج في المساجد والطرقات والدلاء على الآبار التي تستقي منها البيوت وإليك أمثلة على ذلك من واقع الوثائق، فمنها:
1- وقف صبيح، ووقف صقر بن قطامي، ووقف رميثة بن قضيب على الصوام.
2- وقف صالح بن إبراهيم بن عيسى في أرض النميلات على صوام أشيقر.
3- وقف محمد بن حسن الخراشي في ملكه في حويط مقحم على الصوام.
4- سبيل ابن مساور في الميسوري على الصوام.
5- وقف أرض حايط رزين ونخله على الصوام.
6- وقف أريضات – آل الخرافي – أرض ونخل وأثل على الصوام.
7- وقف – آل الخرافي – في الأرض الواقعة غربي الغبية على الصوام والأسرة تسكن – الآن – في بلد الكويت.
8- وقف الشباني في بستان النجيمي على الصوام.
9- سبيل آل عقبة في بستان الشميلي على الفقراء.
10- وقف اللاعي في الملك المسمى ابن زيد على الفقراء.
11- وقف آل مفدّا في حويط حسن على الفقراء في ليالي الجمع من كل عام.
12- وقف ميثا بنت سليمان بن مفدّا يقسط على جمع الدهر على الفقراء.
13- وقف آل أبا حسين في ملكهم – خيس عثيمين – على الذرية.
14- وقف آل أبا حسين في أرضهم المعروفة بأرض الباب على الذرية.
15- وقف محمد بن حسن بن سيف في الجنينة على الذرية ثم على الفقراء.
16- وقف حماد بن ناصر في الربيع في الغبية على الذرية.
17- وقف كلثم بنت أحمد بن منصور في حايط على الأوسط على ذريتها.
18- وقف آل إسماعيل والسحاما في نصيبهم من الصفارية على الذرية.
19- وقف آل حميد في – الغريري – على الأضاحي والحجج.
20- وقف آل حميد في – صباح – على الأضاحي.
21- وقف آل موسى على المدرسة (الكتاتيب).
22- وقف بئر القاضي – وهم سكان عنيزة – الآن.
23- وقف فاطمة بنت سيف بن مانع الشبرمي أربعة قدور ورحى ومقرصة.
24- وقف الشيخ طلحة بن حسن آل بسام مكتبته على ذريته.
أوقاف الصوام
لما كانت البلدة زراعية، والتمر أهم منتجاتها, وثروة اقتصادية للفلاح، وغذاء رئيسي في كل منزل – في الزمن السابق – وأهم قوت يدخر، وبيت لا تمر فيه أهله جياع. لهذه الأسباب حرص أهل الخير على الأوقاف على الصوام ولكثرة الأوقاف عليها قام الشيخ محمد بن عبداللطيف الباهلي إمام جامع أشيقر في وقته بجمعها وتدوينها في سجل خاص عرف بديوان الصوام ثم نقلها عنه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر ثم نقلها الشيخ عمر بن محمد الفنتوخ، ثم الشيخ عثمان بن عبدالرحمن أبا حسين إمام مسجد الشمال، ت 1417هـ.
وأقدم الأوقاف – وقف صبيح – في منتصف القرن الثامن الهجري حيث كتب عام 747هـ وجعل جزءاً من غلة الوقف يكون سماطاً من التمر في شهر رمضان عند الإفطار من كل عام يأكله الغني الفقير والحضري والبدوي.. وفي منتصف القرن العاشر 5 شعبان 940هـ وقف صقر بن قطامي منوال وقف – صبيح – وفي آخر القرن العاشر في 19 رمضان 986هـ وقف – رميثة بن قضيب – على منوال وقف صبح ثم توالت الأوقاف بعد ذلك، منها ما هو مخصص بأكمله للصوام، ومنها ما يشتمل على جزء للصوام.
الوكلاء المشرفون على أوقاف الصوام
اختير للإشراف على هذه الأوقاف ولي صالح أمين يقوم على شؤونها فيتولى جباية ريعها من – تمر وبر ونقود – ويعتني بصيانتها وعمارتها والعمل على نمائها وفي موسم الجذاذ يتولى جمع التمر وكنزه في (جصاص) مفردها (جصة) يعدها لشهر رمضان في كل عام، فإذا دخل الشهر قام بتوزيع التمر قبيل الغروب بساعة في كل يوم على مساجد البلدة الثلاثة وهي (مسجد الشمال، مسجد الجامع، ومسجد الفيلقية). ويضع فيها ما يكفي جماعة المسجد وقبيل أذان المغرب تتحلق جماعة المسجد حلقاً على أنية التمر، والأنية صنعت من الخوص على شكل صحون تسمى كفاف مفرجها كفة، ويأكل كل من حضر غنياً كان أو فقيراً حضرياً أو بدوياً حيث أباح ذلك الواقفون في وثائقهم.
الوكلاء:
لقد تعاقب على ولاية هذه الأوقاف أعداد كثيرة من أهل البلدة على مر العصور فقاموا بتنمية مواردها حتى أصبحت أكبر رافد للفقراء والمحتاجين سواء بالأكل في المساجد أو المنازل من كبار السن والمقعدين ذكراً كان أو أنثى كما صرف منها في أزمنة المجاعات، وقد بارك الله فيها حتى عمت معظم بساتين البلدة فقل أن تجد بستاناً إلا وفيه وقف للصوام سواء جاء من الواقف مباشرة أو حصل بشراء الوكلاء على مر السنين، وأقدم الوكلاء حسب ما عرفناه من الوثائق.
1- عياف بن يوسف ورد ذكره في وثيقة عام 1240هـ.
2- سليمان بن عياف بن يوسف ورد ذكره في وثيقة لم تؤرخ.
3- عبدالله بن سليمان بن عياف بن يوسف ومعه إبراهيم بن عبدالله بن مسند كلاهما شركاء في الوكالة ورد ذكرهما في وثيقة عام 1313هـ.
4- عبدالله بن سليمان بن عياف بن يوسف ومعه عبدالكريم بن محمد بن حمد بن شينبر شركاء في الوكالة ورد ذكرهما في وثيقة لم تؤرخ.
5- عبدالله بن سليمان بن عياف بن يوسف ومعه عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر شركاء في الوكالة ورد ذكرهما في وثيقة حررت عام 1315هـ.
6- عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر ت (1357) تولى الوكالة وحده.
7- عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر تولى الوكالة بعد وفاة والده.
8- عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز بن عامر (هو الوكيل في يومنا هذا) جزاه الله خيراً.. ولا يزال وفقه الله وأثابه قائماً بالإشراف على أوقاف الصوام باذلاً جهده على إحياء السنة الحميدة وهي مد سماط لإفطار الصائمين في مسجد الشمال (أحد مساجد البلدة القديمة الطيني) انفاذاً لشروط الواقفين واستمراراً لهذا العمل الخيري ليتناقله الخلف عن السلف، ويعرفه الصغير عن الكبير، ويشتهر أمره، ولا يزال مسجد الشمال يغص بالمصلين وتناول الإفطار فيه من تمر الصوام إلى كتابة هذا المقال 21 رمضان 1426هـ.
دعوة للاهتمام بالأوقاف
نظراً للتطور المذهل الذي طرأ في العصر الحاضر في المملكة العربية السعودية وزيادة عدد السكان وكثرة اليد العاملة الأجنبية وبروز طبقات فقيرة محتاجة وتغير أحوال المجتمع فما يحتاجه الناس فيما مضى في عهد أجدادنا جاء في يومنا هذا ما هو أهم منه وأنفع وأجدى. لذا إيجاد الأوقاف اليوم أصبح ضرورة ملحة للقضاء على الفقر والمرض والجهل، فحري بمن أغناهم الله تعالى ومنَّ عليهم بفضله أن يخصصوا جزءاً من أموالهم لتكون أوقافاً على بعض المشاريع الخيرية الحيوية وما أكثرها اليوم ولعل من أهمها.
أ – تأمين الرعاية الصحية للفقراء – ويتمثل في بناء المستشفيات والمصحات ودور رعاية المسنين والمعوقين، وإنشاء مراكز متخصصة لأمراض العصر – الأمراض المزمنة – كالسرطان والفشل الكلوي، والوباء الكبدي، والسكر والضغط وتأمين الأجهزة الطبية والأدوية.
ب – المجالات التعليمية والخدمية – كبناء المدارس والمعاهد الشرعية ومدارس تحفيظ القرآن، ومراكز لتعليم المهن والصناعات – كالحاسب وصيانته والخياطة والحياكة لاغناء الشاب والشابة وأسرهما عن الحاجة والسؤال، وطبع الكتب النافعة وفتح المكتبات الخيرية، ودعم البحوث العلمية شرعية كانت أم طبية أم تطبيقية مما يهم المجتمع اليوم ودعم مكاتب الدعوة والدعاة.
ج – المجالات الاجتماعية – ويدخل فيها الاهتمام بالمساجد ودور العبادة ومستلزماتها كدور الإمام والمؤذن وأمكنة لغسل الموتى وتجهيزها بالرجال والسيارات ويدخل فيها حفر الآبار وتسبيل الماء، وبناء الجسور، وتلمس حاجات الفقراء، ومساعدة الشباب على الزواج ورعاية أسر السجناء.
هذا والله أسأل أن يحفظ لبلادنا دينها وأمنها وولاتها وأن يرد كيد أعدائها إنه سميع مجيب.


 

المصدر / موقع أسرة آل أبا حسين