شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

هل يجوز بيع الوقف وجعله في المسجد ؟

 

عنوان الفتوى هل يجوز بيع الوقف وجعله في المسجد ؟
السؤال

لدي بيت وقف هل يجوز بيعه وجعله في مسجد؟

المفتي موقع الإسلام سؤال وجواب
الجواب

الحمد لله

أولا :

إذا كان هذا البيت لك فأوقفته فقد أصبح الوقف لازما ، وانقطع حقك في التصرف فيه .

جاء في “الموسوعة الفقهية” (44 / 119) :

” ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ مَتَى صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ مُسْتَكْمِلاً شَرَائِطَهُ أَصْبَحَ لاَزِمًا ، وَانْقَطَعَ حَقُّ الْوَاقِفِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِأَيِّ تَصَرُّفٍ يُخِل بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْوَقْفِ ، فَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ ، وَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ) رواه البخاري (2764) ومسلم (1633) .

وَلأِنَّ الْوَقْفَ تَبَرُّعٌ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ وَالْمِيرَاثَ ، فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الصِّيغَةِ مِنَ الْوَاقِفِ كَالْعِتْقِ ، وَيُفَارِقُ الْهِبَةَ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ ، وَالْوَقْفُ تَحْبِيسُ الأَْصْل وَتَسْبِيل الْمَنْفَعَةِ ، فَهُوَ بِالْعِتْقِ أَشْبَهُ ، فَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى ” انتهى .

وقال الخرشي في “مختصره” (7/84) :

” وَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي الْوَقْفِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

” أما الوقف : فإن الإنسان إذا وقف فليس له الرجوع في وقفه ؛ لأن الوقف يكون لازماً من حين أن يقفه ” انتهى من موقع الشيخ .

 

ثانيا :

فإن كان لك أو لغيرك ، وأنت ناظره والمسئول عنه ، فلا يجوز التصرف فيه ببيعه أو تغيير ما أوقف لأجله ، إلا إذا كانت المصلحة الراجحة في ذلك ، على الراجح من أقوال أهل العلم .

فيجب مراعاة قصد الواقف وشرطه أولا ، ولا يجوز التصرف في الوقف بخلاف ما قصده الواقف أو شرطه ، إلا عند الضرورة أو المصلحة الراجحة ، كأن يتعطل الوقف فلا يستفاد منه ، أو تكون المصلحة في بيعه أو تحويله أو تغيير شرطه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” وَيَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ : صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ : فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ : نُصُوصُ الْوَاقِفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ ، يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ . مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي وَالنَّاذِرِ وَالْحَالِفِ وَكُلِّ عَاقِدِ يُحْمَلُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَعَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا وَافَقَ لُغَةَ الْعَرَبِ أَوْ لُغَةَ الشَّارِعِ أَوْ لَا . وَالْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَالْعُرْفُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الْوَقْفِ يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدُلُّ لَفْظُ الِاسْتِفَاضَةِ ” انتهى .

“الفتاوى الكبرى” (5 / 429)

 

قد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز نقل الوقف على المسجد ، مثل الدولاب إذا ضيّق على المسجد ، وإذا لم يكن للمسجد حاجة إليه ؟

فأجاب : ” نعم . يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح ، فإذا استُغنيَ عن شيء بالمسجد ، كفراش أو دولاب أو غيره : نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن ، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء ، وأنفقنا ثمنها على المسجد ، أما إذا كان من الأوقاف فإن الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو الأصلح ” انتهى .

“لقاءات الباب المفتوح” (168) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تغيير بعض الشروط التي اشترطها الواقف إلى ما هو أفضل :

” وهذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من يقول : إن الواقف إذا شرط شروطاً في الوقف ،  ورأى الناظر أن غير هذا الشرط أنفع للعباد وأكثر أجراً : فإنه لا بأس أن يصرفه إلى غيره .

ومنهم من منع ذلك وقالوا : إن هذا الرجل أخرج هذا الوقف عن ملكه على وجه معين ، فلا يجوز أن يُتَصرف في ملكه إلا حسب ما أخرجه .

وأما الذين قالوا بالجواز فيقولون : إن أصل الوقف للبر والإحسان فما كان أبر وأحسن ، فهو أنفع للواقف .

واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل عام الفتح , وقال : يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس , فقال : ( صلِّ ها هنا ) , فأعاد عليه , فقال : ( صلِّ ها هنا ) , فأعاد عليه فقال: ( صلِّ ها هنا ) فأعاد عليه فقال : ( شأنك إذاً ).

والوقف شبيه بالنذر ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للناذر أن ينتقل إلى الأفضل , فالواقف كذلك .

وهذا القول هو الصحيح : أنه يجوز أن يغير شرط الواقف إلى ما هو أفضل ، ما لم يكن الوقف على معيّن , فإن كان الوقف على معيّن لم يجز صرفه إلى جهة أفضل ، لأنه معيّن فتعلق الحق بالشخص المعيّن , فلا يمكن أن يغير أو يحول ” انتهى بتصرف .

“الشرح الممتع” ( 9/560 -561) .

 

على أن يكون التصرف في الوقف بالبيع وغيره عن طريق القاضي الشرعي .

قال علماء اللجنة :

” إذا كان من بيده قطعة الأرض الزراعية الموقوفة هو الناظر عليها ، فليس له أن يتصرف في هذه القطعة لنفسه أو لغيره ببيع أو ببدل إلا بما فيه غبطة للوقف ومصلحة ، على أن يكون هذا التصرف عن طريق القاضي الشرعي الذي تقع هذه القطعة في حدود ولايته وقضائه ، وإن كان غير ناظر على الوقف فلا يجوز له التصرف في هذه القطعة إلا عن طريق الناظر ، والناظر إنما يتصرف في الوقف على ما تقدم بيانه ” انتهى .

“فتاوى اللجنة الدائمة” (16 / 76-77)

 

فعلى ما تقدم : إذا كانت المصلحة في هذا البيت الموقوف بيعه ، كأن يكون مهجورا لا ينتفع به ، أو كانت المنفعة من ورائه قليلة ، ولم يكن موقوفا على معينين كأيتام وفقراء ونحوهم ، واحتاج الناس إلى بناء مسجد ، وكانت المصلحة في بيع هذا البيت وجعل ثمنه في بناء المسجد : فيجوز بيعه وجعل ثمنه في المسجد .

أما إذا كان البيت موقوفا على معينين ، لم يجز بيع البيت وصرف ثمنه للمسجد ؛ لأن مصلحة الوقف قد تعلقت بمعين ، فوجب صرفه إليه ، كسائر الحقوق : أنها تصرف لمستحقيها ، ولا يجوز منعهم من حقوقهم بحال .

فإن كان موقوفا على معينين ، وكانت المصلحة في بيعه ، والتصرف بثمنه في مصالح الموقوف عليهم : جاز .

على أن يكون ذلك كله عن طريق القضاء الشرعي ، إن كان في بلد الوقف قضاء شرعي ينظر في مثل ذلك .

راجع جواب السؤال رقم : (49886) ، (112189) .

وراجع لأحكام الوقف جواب السؤال رقم : (13720) .

 

والله تعالى أعلم .

المصدر

 الإسلام سؤال وجواب