شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

إدارة الأوقاف باحتراف

إدارة الأوقاف باحتراف

عثمان سليمان العيسى*

 

الاثنين 19 / شعبان / 1430 هـ     10 / أغسطس / 2009 م

 

حاولت وبصعوبة الربط بين حديث شيّق للدكتور خالد النويبت المشرف على أوقاف جامعة الملك سعود.. عن احتلال الولايات المتحدة الأمريكية حالياً لمركز الريادة في هيكلة برامج الأوقاف وإدارتها بوعي واحتراف.. وبين الأخبار الاقتصادية التقليدية المتواترة مؤخراً.. عن كثرة الخلافات الواردة (أسرياً) على المؤسسات الوقفية الخاصة.. في المملكة العربية السعودية.. خصوصاً تلك التي تشكّل رؤوس أموال ضخمة تتعدى المليار بمراحل.. هذه الخلافات تظهر على السطح في الوقت الذي لم يكمل فيها بعض هذه الأوقاف بما تحويه من عقارات وأسهم ونحوها.. عقدها الأول بعد.. في حين أكمل فيها بعض الأوقاف الأكاديمية الأمريكية عقدها العاشر..

الحقيقة بأن هذا الانتقال الميّسر للإدارات المتتابعة لهذه الأوقاف في وسط غربي.. كان ولا يزال يثير حفيظتي وشهيتي أيضاً.. عن السر الذي يكمن في هذا الإكسير الإداري الغريب.. فضلاً عن الحوكمة غير المنظورة في هكذا مؤسسات.. هذا الأمر لم أعرف له سبباً حتى اطلعت على بحث رائع بمرتبة الشرف الأولى للباحثة ريهام خفاجي عن ( مؤسسة فورد: المساحات المشتركة بين العمل الخيري والبحث الأكاديمي ).

البحث يتحدث عن ( مؤسسة فورد ) كواحدة من أهم المؤسسات الوقفية في أمريكا وأكثرها خبرة وإثارة للجدل ( من عام 1950 – 2004 م ) .. إن المتأمل لوضع المقارنة بين الأوقاف الناشئة في وسط غربي وتلك الموجودة لدينا سيلحظ الآتي:

•المؤسسية: ففي الوقت الذي امتلكت فيه مؤسسة فورد مثلاً رؤية رسالية واضحة المعالم وأهداف استراتيجية محددة.. ترجمت في صورة برامج وآليات عمل مفصلة.. كما يظهر في هيكلها الإداري المتماسك والمنظم حيث للعاملين فيها قدرات عالية على العمل الفردي والجماعي .. نجد خلاف هذا الأمر في مؤسساتنا الوقفية حيث الارتجالية في تنفيذ الأهداف رغم كونها مكتوبة ومنمقة .. وغياب الكفاءات الإدارية القائدة أو التنفيذية والتي تتعامل مع الوقف كمنشأة اقتصادية .. وبناء على هذا الأمر نجد أن مؤسسة فورد تتمتع بقدرات مؤسسية متميزة .. من حيث قدرتها على التكيف مع المتغيرات المحيطة .. في صورة تعديل على برامجها التفصيلية .. وتماسك بنيتها التنظيمية الداخلية، وكفاءة توزيع الأدوار الداخلية للعاملين بها. وقدرتها على الاستمرار كمؤسسة مستقلة عن أشخاص صانعيها.

•المنافسة: ففي حين تعامل فيه المؤسسات الخيرية في الخارج باعتبارها مؤسسات اقتصادية تدخل معترك العمل التجاري .. وقد تجني من وراء ذلك أرباح أو تتعرض لخسائر .. وفي حين تفرض الضرائب عليها كبقية المؤسسات الاقتصادية الأخرى، سعياً وراء استبعاد الراغبين في الحصول على إعفاءات أو تسهيلات ضريبية معينة من الوقف لصالح المؤسسات الخيرية وإخلاصاً لنوايا الواقفين لصالح الأهداف الخيرية والإنسانية.. وسماحاً بحصول المجتمع على حقوقه الضريبية من هذه المؤسسات.. باعتبارها مكوناً من مكونات الحركة الاقتصادية في الدولة عليها واجبات كما أن لها حقوقاً.. نجد خلاف ذلك في الأوقاف الإسلامية حيث تتمتع بوضع استثنائي مريح يجعل من الصعب عليها المنافسة في وسط تجاري شرس.. ولذا فلا غرابة حين نرى أغلب أوقافنا عبارة عن عقارات يبذل فيها الحد الأدنى من الحس التجاري..

•نشاط رديف: والمقصود به النشاطات الاقتصادية القائمة على الوقف فالأوقاف في أمريكا مثلاً تجد لها وسطاً فاعلاً عبارة عن شركات خبرة متخصصة في تقديم المشورة القانونية أو الخبرة المتراكمة في الإدارة الوقفية أو تقديم العون والاستشارة في استقطاب داعمين وأعضاء مجالس إدارات فاعلين .. في حين أن الأوقاف الإسلامية مثلاً تقتصر في إدارتها على أبناء الواقف وبعض طلبة العلم .. إننا في الوقت الذي يجب فيه احترام شرط الواقف في اختيار الناظر.. إلا أن المصلحة مقدّمة ولو من باب الخضوع للرقابة والتمتع بالدعم.

•احترام التخصصات: فقد اهتمت مؤسسة فورد بوضوح بدعم دراسات العلوم الاجتماعية والأنشطة المدنية المرتبطة بها.. وبالتالي تكوّن لديها فريق من العاملين المتخصصين.. تمكنوا من فهم مواضع التأثير والتأثر في هذه القضايا والأنشطة الاجتماعية .. كما استطاعت بتخصصها في تمويل دراسات العلوم الاجتماعية تحديداً إحداث فروق ملموسة في البنية المعرفية لهذه العلوم .. والتأثير فيها بحثيًّا وتعليميًّا لفترة طويلة في حين أن الأوقاف لدينا لا يخرج فيها شرط الواقف عن تحفيظ القرآن ..!

• البيئة القانونية: فنجد بكل بساطة أن الأوقاف الغربية تتمتع بلوائح داخلية دقيقة وحوكمة وقفية قانونية ومحاسبية واضحة لا تجعل مجالاً للاجتهاد أو الخطأ غير المبرر.. في حين تعاني مؤسساتنا الوقفية من هدر في توزيع الريع بشكل عادل أو حتى تحصيله .. في ضوء غياب لآلية فض المنازعات التي تنشأ بين المؤسسات الوقفية وعملائها بالطرق القانونية .. أو تحديد للآليات التي تساعد المؤسسات الوقفية على تجاوز الصعوبات الناتجة عن النزاعات بمختلف أنواعها.. أو استقراء لأي نزاع قد ينشأ في المستقبل بشأن تأويل مضمون بنود العقود ما بين المؤسسات الوقفية وعملائها.

إن هذه المقارنة .. أعادتني إلى تلك العقليات الفقهية النيرة والتي أوصلت الوقف ( نظرياً ) إلى مستويات من الكمال لا تكاد ترقى إليه بعض النظريات القانونية .. حيث القانون الأمريكي لم يستطع أن يضع إطار يحدد فيه صلاحيات الإدارة في عدم تسييل أصل الوقف واستعماله كنفقات إدارية .. مما أدى إلى كثير من الاعتداءات على أصول الأموال الوقفية ..!

 

*الباحث في الأنظمة العقارية

المصدر / جريدة الرياض