شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

الوقف الخيرى وأثره فى النهضة العلمية والتعليمية

                                                         الوقف الخيرى وأثره فى النهضة العلمية والتعليمية

بقلم: سمير العركي 

الوقف معناه كما يقول ابن قدامة الحنبلي ـ رحمه الله ـ (الكافي ج2):

“تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وهو مستحب لما روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، علم ينتفع به من بعده وولد صالح يدعو أو صدقة جارية” رواه مسلم .

وقد استطاع الوقف بنوعيه الخيري والأهلي أن يلعب دورا رائعا في تحقيق المواساة البينية بين المسلمين بعضهم البعض وبين المسلمين وغير المسلمين الذين استفادوا دونما تمييز بالحبوس التي كانت تخدم المواطنين بصفة عامة كالأسبلة والبيمارستانات وغير ذلك .

وللأسف فقد ارتبط مفهوم الوقف في أذهان كثيرين على أنماط معينة من العمل الخيري كبناء المساجد ورعاية المساكين وإطعام الفقراء وخلافه حتى أن الأوقاف المرصودة للنهضة التعليمية لم تكن بحجم الأوقاف المرصودة للتعليم أو النهضة العلمية .

والعالم العربي اليوم يعانى من مشاكل جد خطيرة على مستوى النهضة التعليمية والعلمية مما جعلته يقف على مسافات بعيدة للغاية عن الدول الغربية التي أخذت بنواصي العلم واستطاعت بناء نهضتها عبر سلسلة من الثورات التي غيرت وجه التاريخ وشكل الكرة الأرضية بدء من الثورة الصناعية في القرن الثامن والتاسع عشر مرورا بالثورة الإليكترونية في القرن العشرين انتهاء بثورة المعلومات والاتصالات التي نعيشها الآن والتي أدت إلى تدفق المعلومات بصورة غير مسبوقة في تاريخ البشرية كما فتحت مجالات غير مرتادة من ذي قبل وأحالت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة .

فالبعض يقدر الفجوة بين الدول العربية ونظيرتها الغربية بما يقرب من مائتي عام وتحتاج إلى جهد جهيد في مجالات عدة من أجل العمل على تقليلها والحد من تأثيراتها السلبية.

ومن هنا يأتي دور الجهد الوقفي كدور مكمل ومساعد في توفير المال اللازم لتحقيق النهضة المنشودة حيث إن كثيرا من الدول العربية مازالت تعانى من تعثرات اقتصادية جمة تجعلها تعمل بالكاد من أجل توفير المأكل والمشرب فضلاً عن النهوض التعليمي وسد الفجوة العلمية المشار إليها.

ورغم أن هناك العديد من المؤسسات الخيرية التي تقوم برعاية الموهوبين والإنفاق على الدارسين إلا أنه يبقى جهدا محدودا حتى الآن مع تعاظم التحديات التي تواجهنا ففي بلد كبير مثل مصر تقدر الإحصائيات عدد الذين لم ينالوا حظا من التعليم ويعانون من الأمية بحوالي 40 % من جملة سكان مصر البالغين نحو 85 مليون نسمة.

لذا فالمقترح اليوم أن يتم تخصيص الأوقاف على نشاطات بعينها تتولى العناية بها والإنفاق عليها والنهوض بها كالتالي :

الوقف للقضاء على الأمية

وهى من أخطر المشاكل التي تواجه العالم العربي اليوم… ففي الوقت الذي تكافح فيه دول العالم المتقدم من أجل التخلص من الأمية التكنولوجية مازلنا في بلادنا نئن بالشكوى من الأمية الأبجدية التي حولت ملايين البشر إلى طاقات مهدرة ومعطلة وعاجزة عن اللحاق بركب التقدم والنهوض، وجعلت المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم معاناة من الأمية حيث قدرها البعض بنحو 70 مليون أمي منتشرين في العالم العربي.

إن من المؤسف حقا أن نشهد هذا التوغل الفاضح للأمية وقد خصنا الله بكتابه العزيز الذي حض على القراءة في أول ما نزل منه “اقرأ” بل ضحى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكاسبه من الأسرى في غزوة بدر في مقابل تعليم المسلمين وأبنائهم القراءة والكتابة ونحن مازلنا ننفق على الطعام والشراب أكثر من إنفاقنا على التعليم.

لذا فإن الوقف هنا سيلعب دورا في الإنفاق على المعلمين وإعداد الفصول والقاعات في كل حي ومنطقة وتوفير ما يحتاجه المتعلمون خاصة وأكثرهم من المعدومين والفقراء الذين دفعهم فقرهم إلى ترك التعليم منذ البداية.

الوقف التعليمي

فالتعليم هو أساس النهضة ودعامة الأمن القومي العربي وليس قضية ترف أو كماليات فميزانيات الدول العربية لا تواكب حجم الإنفاق المطلوب للنهوض بالتعليم مما يستلزم ضرورة مساعدة المجتمع المدني وأهل الغنى واليسار وعدم رمى الكرة في ملعب الدولة الرسمي فالتعليم يحتاج إلى مزيد من الإنفاق من أجل :

§   بناء المدارس وتجهيزها وتأثيثها وإنشاء البنية التحتية التكنولوجية المفتقدة في العديد من المدارس .

§  الإنفاق على الطلاب الفقراء والذين قد لا يجدون ثمن انتقالهم إلى أماكن تعلمهم مما يؤدى إلى كارثة أخرى تتمثل في تسربهم من التعليم والذي قد يعودون إليه عندما يجدون من ينفق عليهم والدول من جانبها لا تتمكن من تغطية مثل هذا اللون من الإنفاق .

§  الإنفاق لبناء الجامعات والمعاهد المتخصصة فجامعة عريقة مثل جامعة القاهرة كانت أرضا مملوكة للأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل وتبرعت بها في أوائل القرن الماضي لبناء أول جامعة أهلية في مصر ولم تكتف بذلك بل تبرعت بجزء من حليها لإتمام عملية البناء والإنفاق على الجامعة أما الآن فقد تحولت الجامعات إلى لون من الاستثمار لا يستطيع أبناء الطبقة الفقيرة الاقتراب منه… كما أن الوقف الأهلي الآن بات ضرورة لتطوير البحث العلمي داخل الجامعات خاصة مع نضوب الموارد الرسمية وقلتها .

§  الإنفاق على الموهوبين وشباب الباحثين والدارسين الذين قد تقعد بهم إمكانياتهم عن مواصلة البحث والتفوق مما يؤدى إلى حرمان المجتمع من جهودهم وعلمهم ويدفعهم إلى الهجرة الخارجية وإفادة المجتمعات الخارجية بعلمهم ونبوغهم وهذا أمر حادث ونراه بأعيننا فكثير من الكفاءات التي أسهمت في بناء التقدم العلمي في الغرب هي في أصلها عقول عربية مهاجرة لعدم توفر الإمكانيات في بلادها كأحمد زويل وفاروق الباز وغيرهما.

الوقف العلمي التقني

والذي لابد وأن يوجه لصالح البحث العلمي الدقيق والإنفاق عليه وتوفير البيئة المادية المناسبة له والكوادر المؤهلة لذلك فنحن مازلنا في احتياج خوض غمار المجالات التكنولوجية الدقيقة وأن نتحول من مستوردين إلى منتجين لها فدولة مثل الهند والتي تصنف كدولة من دول العالم الثالث مثلنا تأتى في مقدمة دول العالم إنتاجاً للبرمجيات رغم انتشار الفقر بصورة كبيرة في ربوعها.

فهذا اللون من الوقف الخيري سيسهم في توفير الدعم المالي المناسب من أجل امتلاك المعرفة وتوظيفها التوظيف الأمثل والأفيد لنا .

نموذج رائد ومثل يحتذى

هذا الطرح الذي أشرت إليه من ضرورة تطوير نظرة المجتمع إلى الوقف الخيري والدفع به إلى آفاق جديدة تسهم في تحقيق النهضة العلمية والتقنية وضعت المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا مثالا له يحتذى ويستحق الإشادة والتدعيم وذلك عبر تدشين ما يعرف بـ”الوقف العلمي والتكنولوجي” والذي تتولى المؤسسة إدارته ونظارته وجاء في أهدافه كما هو منشور على موقع المؤسسة الإلكتروني؟

§  التوظيف الفعال للطاقات العلمية والتكنولوجية وتوجيهها نحو امتلاك المعرفة وخدمة القضايا التنموية.

§   تنمية الابتكارات الوطنية لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

§ الحد من هجرة العقول العلمية والاستفادة من العقول المهاجرة في تنمية الاقتصاد القومي.

§   نشر المعرفة العلمية في مجتمعاتنا.

§ تثبيت أركان الاقتصاد، وإقامته على دعائم علمية وتكنولوجية راسخة.

§   الوصول لحلول تقنية لمكافحة الفقر وتوفير فرص عمل.

كما نشير أيضا إلى الوقف العلمي بجامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية والذي وضع من أجل خدمة البحث العلمي والإنفاق عليه وتطويره والارتقاء بها .

لقد لعب الوقف الخيري دوراً مؤثراً في مسيرة أمتنا والمأمول اليوم أن تنهض هذه الآلية من جديد لتسهم في قطاعات جديدة تسهم في نهضة الأمة وتقدمها .

المصدر / مداد