الخميس 1 ربيع الأول 1435هـ 2 يناير 2014م
10 دقائق فقط لا أكثر، كانت كافية لجمع قيمة كرسي متحرك كهربائي خاص بالمعاقين، إذ بعد إطلاقي لتغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر حملت النداء الآتي: “سبعيني معاق بحاجة إلى كرسي كهربائي متحرك.. ولمن أراد التبرع له مراسلتي لأخذ رقم هاتفه”، وكتبت نص ما جاء في التغريدة (حالةً) على صفحتي الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الأكثر حميمية، إلا أن التجاوب كان بطيئاً نسبياً كما كان على حسابي بتويتر أيضاً، فاتجهت إلى (القروب) الخاص بمجموعة من الإعلاميين والمثقفين على “الواتس أب” طالباً منهم إعادة (ريتويت) للتغريدة التي أطلقتها على تويتر من حساباتهم الشخصية، لما لهم من جماهيرية نوعية لتحظى التغريدة بدعم أكثر على الشبكة، فهب جميع الأصدقاء بالفعل لتلبية طلبي ذاك، إلا أن اقتراحاً أطلقته صديقتنا وأختنا الأنيقة (مها الشهري) الكاتبة بجريدة الحياة، يقضي بأن يتبرع كل الأصدقاء المسجلين الحاضرين في (القروب) كل حسب الاستطاعة، وخلال أقل من 10 دقائق فقط جُمع مبلغ ممتاز لشراء كرسي كهربائي جيد بحمد الله وتوفيقه، بعد أن شارك فاعل خير بالمبلغ المتبقي، وهو ما لم يكن مثار استغرابي مطلقاً، بل كان متوقعاً من مجتمع طالما عُرف بتآلفه وعطائه اللامحدود في كل أعمال الخير، مطبقاً بذلك عملياً قول الله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”.
أورد هذه القصة القصيرة في معانيها الإنسانية، التي تُعد إحدى النماذج الصغيرة الكثيرة، والتي تدخل في إطار العادية بالنسبة للمجتمع السعودي، دليلا على قوة حضور المبدأ الأخلاقي لمفهوم التكافل الاجتماعي في روح وضمير المجتمع السعودي، وتأكيدا على حجم نزعة الخير العظيمة بين أفراده دون تمييز، والتي تُعتبر إحدى البنى الأساسية لترابطه وتماسكه بهذه القوة، ومثل هذه المواقف الإنسانية تُعد ترجمة حقيقية لمبدأ استخلاف الله تعالى لبني آدم في الأرض على خيراتها وإعمارها، وتجسيداً للإيثار على النفس، وحباً لفعل الخير، وهنا أستحضر قول الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه -: “إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غني، وإن الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة، وإن المُقِل غريب في بلدته”.
وهذا على مستوى الأفراد في المجتمع السعودي، أما ما يُعنى بالمؤسسات الخيرية في المملكة العربية السعودية، فحدث ولا حرج فأنت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله -، الذي أغدق على الناس من خيرات الأرض بما جادت به وأكثر، إذ ستجد أن هناك عدداً هائلاً من هذه المؤسسات الخيرية، التي تقدم خدماتها المختلفة للمواطن السعودي وغير السعودي في كثير من الأحيان على حد سواء، ويكفي أن تمر سريعا بمواقعها على شبكة الإنترنت لتتعرف على ما تقدمه من خدمات إنسانية عظيمة، وهي استجابة للقيم الإنسانية وطبيعة الخير المجبول عليها الإنسان كجوهر أصيل، والمنطلقة من وحي الإيمان بحقوق الآخر، ووضعه موضع الشريك الكامل اجتماعيا وفكريا وثقافيا وسياسيا، وهذا يفضي إلى تقوية الروابط بين الأطراف بمجملها، ويشكل وحدة اجتماعية نوعية تعكس صورة المجتمع كنسق مثالي مُعبر عن بنية الجسد الواحد، ويحقق فلسفة ومضمون أحد أهم الأسس الرئيسة لمفهوم حق التعايش الإنساني الاجتماعي، المُسمى اصطلاحا بـ(التكافل الاجتماعي) والذي يُقصد به كمفهوم: أن أفراد المجتمع على اختلافهم مشاركون في الحفاظ على كل المصالح الخاصة والعامة، والتعاون على دفع الأضرار والمفاسد والأخطار مادية كانت أو معنوية، مستشعرين من ذلك – إضافة إلى حقوقهم الخاصة والعامة – الواجب الأخلاقي والإنساني العام تجاه الآخرين، من خلال مساعدتهم بإيصال الدعم النافع إليهم، ودفع السوء عنهم، ورفع المعاناة عنهم ما استطاعوا. وهو مفهوم مُستمد من قول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -: “والله لا يؤمن وكررها ثلاثاً من بات شبعاناً وجاره جائع”، والمجتمع السعودي بعمومه يعي ذلك فطرياً وثقافياً، وينتمي إلى بذرة الخير الأولى للإنسان على الأرض.