الخميس 10 جمادى الآخرة 1435هـ 10 آبريل 2014م
كشفت مشروعات توسعة الحرمين الشريفين في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة عن وجود ما نسبته 91% أوقاف وعقارات مجهولة الملكية.. وذلك لنقص في أوراق ثبوتية، أو انقراض الأسر الموقوف لها، أو لغيره من الأسباب، وهو ما يجعل من الصعب الاستدلال على أصحاب هذه الأوقاف، وبالتالي صعوبة تعويض أصحابها عن أملاكهم ليقوموا بإنشاء أوقاف جديدة محل الأوقاف التي تم إزالتها لتوسعة الحرمين الشريفين.
إن تطور الأنظمة الاقتصادية يقتضي إطلاق الأموال المحبوسة عن التداول حرصًا على تعميرها وزيادة غلاتها وخيراتها، وفي حالة غياب أصحاب هذه الأموال، أو عدم الاستدلال عليهم، يقتضي في رأينا إيجاد سبل عملية لاستغلال هذه الأوقاف لصالح المجتمع. لذا أقترح النظر باستغلال الأوقاف الغائب أصحابها، أو غير المُستدل عليهم لصالح المجتمع، وذلك بإقامة مشروعات سكنية للمواطنين غير القادرين مقابل إيجارات رمزية. وكذلك إنشاء مراكز تجارية وأسواق ومشروعات تدر دخلاً ثابتًا على هذه الأوقاف. وبالتالي تحبس في هذه الأوقاف السكنية قِيَم التعويضات المستحقة لأصحابها غير المعروفين في مثل تلك المشروعات الاستثمارية، ويُسيل العائد ليكون مصدر دخل ثابتًا يغطي جانبًا من نفقات صيانة وتشغيل هذه العمائر السكنية الوقفية. وإذا ما حدث ووجد لهذه الأوقاف أصحاب مستقبلاً؛ فإنه يُمكن أن يعوّضوا، أو يأخذ المستحقون منهم أنصبتهم من دخل تلك الأوقاف المستثمرة، وذلك بدلاً من تجميد بلايين الريالات لسنوات طويلة انتظارًا لإثباتات قد لا يُستدل عليها.
وأقترح في هذا الخصوص تشكيل لجنة عُليا للأوقاف غير المستدل على أصحابها، تضم في عضويتها عددًا من الشخصيات العامة في المدينتين المقدستين، ممّن يتمتعون بالخبرة، والسمعة الحسنة، والمكانة الاجتماعية، ويحوزون على ثقة المجتمع لإعداد نظام للأوقاف غير المُستدل على أصحابها، يشمل الأسس الشرعية والاستثمارية، وأسس استغلال موارده وصرفها، وأسس حفظ الأموال الموقوفة بالطرق الشرعية والنظامية. وقد يكون للهيئة العامة للأوقاف التي يدرس تأسيسها حاليًّا مجلس الشورى، دور هنا خاصة وأن هذه الهيئة -كما يشير نظامها المُقترح وفق المادة الثالثة- تهدف لتنظيم الأوقاف، وتطويرها، وتنميتها بما يحقق شروط واقفيها، ويُعزِّز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي وفقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية والأنظمة.
ويقضي نظام الهيئة العامة للأوقاف المُقترح وفق المادة الرابعة للنظام، بأن تُشرف الهيئة على جميع الأوقاف، باستثناء الأوقاف التابعة للجامعات والأوقاف الخاصة التابعة للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين، ومَن في حكمهم، كما تتولّى كل من الهيئة العامة للأوقاف والهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين، ومن في حكمهم، الإشراف على الأوقاف المشتركة وفق ضوابط تعتمد من مجلس الوزراء.
ونظرًا لعدم الاستدلال على تبعية 91% من الأوقاف المنزوعة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، فإني أجد أن ارتباط هذه الأوقاف بالهيئة المُستحدثة سيكون أمرًا طبيعيًّا.
***
يقول الإمام الشافعي: (إن منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم)، الأمر الذي يقضي بأن يتم التصرف هنا فيما يتعلق بالأوقاف غير المُستدل على أصحابها بما يخدم الهدف الذي قامت عليه تلك الأوقاف، وما يُحقق المصلحة العامة للواقف والموقوف له والمجتمع. وما طرحته عاليه هو مجرد اقتراح أرى دراسته من قبل أهل الاختصاص، وأرجو أن يساهم في حل مسألة الأوقاف التي لم يُستدل على أصحابها المستحقين لتعويضهم. وهو اقتراح أهدف فيه وجه الله الكريم، فإذا كان صائبًا فلي فيه أجران، وإذا كان غير ذلك فلي فيه أجر اجتهادي.
* نافذة صغيرة:
(إني أنزلت من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن احتجت أخذت منه فإذا أيسرت رددته فإن استغنيت استعففت).. عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.