شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

نقل الوقف

السؤال: عقار موقوف في بلد معين هدم جانب منه؛ لتوسعة الشارع، واقتضى الحال بيع باقيه؛ لتعطل منافعه. فهل يجوز نقله من تلك البلد إلى بلد أخرى أقرب للمستحقين؛ لأنهم قد انتقلوا من بلدهم؟ ومع هذا فهو أصلح للوقف وأكثر غلة؛ نظراً لزيادة الأجور في البلد المنقول إليه، ولكون المستحقين يسكنون فيه بحكم وظائفهم وأعمالهم.

المجيب : الشيخ عبد الله بن عبدالعزيز العقيل

 لا نرى مانعاً شرعيّاً يحول دون نقله، إذا كان ما ذكره السائل صحيحا؛ لأن المصلحة راجحة في نقله من ناحيتين:

▪ الأولى: قرب الوقف من الجهة الموقوف عليها؛ لتيسر القيام عليه بحفظه وصيانته وتنميته.

▪ الثانية: كثرة الريع الحاصل من الوقف للجهة الموقف عليها. وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية[  ]  رحمه الله في (الفتاوى[  ]  المصرية) (1) إلى هذا الموضع بما نصه: وإذا تعطل نفع الوقف، فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه في مذهب أحمد وغيره، وهل يجوز مع كونه مغلاًّ أن يبدل بخير منه؟ فيه قولان في مذهبه، والجواز مذهب أبي ثور وغيره.

.. والمقصود: أنه حيث جاز البدل، هل يشترط أن يكون في الدرب أو البلد الذي فيه الوقف الأول، أم يجوز أن يكون بغيره إذا كان ذلك أصلح لأهل الوقف، مثل أن يكون ببلد غير بلد الوقف، إذا اشترى فيه البدل كان أنفع له؛ لكثرة الريع وتيسر التناول، وما علمت أحداً اشترط أن يكون البدل في بلد الوقف الأول، بل النصوص عند أحمد وأصوله وعموم كلامه وكلام أصحابه وإطلاقه يقتضي أن يفعل في ذلك ما فيه مصلحة أهل الوقف، فإن أصله في هذا الباب مراعاة مصلحة الوقف، بل أصله في عامة العقود اعتبار مصلحة الناس؛ فإن الله أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، وبعث رسله بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها.

وقد جوز أحمد إبدال مسجد بآخر للمصلحة، كما جوز تغييره للمصلحة، واحتج بأن عمر أبدل مسجد الكوفة القديم بمسجد آخر، وجوز أحمد إذا خرِب المكان أن ينقل المسجد إلى قرية أخرى، بل ويجوز -في أظهر الروايتين عن أحمد- أن يباع ذلك المسجد ويعمر بثمنه مسجد آخر في قرية أخرى، إذا لم يحتج إليه في القرية الأولى؛ فاعتبر المصلحة بجنس المسجد، وإن كان في قرية غير القرية الأولى، إذا كان جنس المساجد مشتركة بين المسلمين.

قال: والوقف على قوم بعينهم أحق بجواز نقله إلى مدينتهم من المسجد، فإن الوقف على معينين حق لهم لا يشركهم فيه غيرهم … إلى أن قال: فإذا كان الوقف ببلدهم أصلح لهم؛ كان اشتراء البدل ببلدهم هو الذي ينبغي فعله لمتولي ذلك، وصار هذا كالفرس الحبيس الذي يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، إذا كان محبوساً على أناس في بعض الثغور، ثم انتقلوا إلى ثغر آخر، فشراء البدل بالثغر الذي هم فيه يقيمون أولى من شرائه بثغر آخر…، ثم قال: ومما يبين هذا أن الوقف لو كان منقولاً كالسلاح وكتب العلم[  ] ، وهو وقف على ذرية رجل بعينه جاز أن يكون مقر الوقف حيث كانوا، بل كان هذا هو المتعين. فليس في تخصيص مكان العقار الأول مقصود شرعي، ولا مصلحة لأهل الوقف. وما لم يأمر به الشارع ولا مصلحة فيه للإنسان فليس بواجب ولا مستحب، فعُلِم أن تعيين المكان الأول ليس بواجب ولا مستحب لمن يشتري بالعوض ما يقوم مقامه، بل العدول عن ذلك جائز، وقد يكون مستحبّاً، وقد يكون واجباً، إذا تعينت المصلحة فيه. انتهى ملخصاً. والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر: طريق الإسلام .