الثلاثاء 9 رمضان 1437هـ الموافق 14 يونيو 2016م
إن ما شهده العالم من أزمات اقتصادية، و انهيارات مالية طالت عددًا من كبريات الشركات في مختلف دول العالم ، و ما تبع ذلك من ضياع أموال المساهمين فيها، و تسريح موظفيها، و تداعيات كل ذلك سلبا على اقتصاديات الدول التي تعمل فيها تلكم الشركات، كل ذلك ساهم في نشوء مفهوم حوكمة الشركات ، المعني بإيجاد و تنظيم التطبيقات و الممارسات السليمة للقائمين على إدارة المنظمة بما يحافظ على حقوق العاملين فيها، و حملة السندات، و المساهمين ، و باقي أصحاب المصالح ، بالارتكاز على أربع دعائم أساسية هي : الشفافية ، و العدالة ، و النزاهة ، و المساءلة.
ثبت بالاستقراء و التطبيق ، أن تبني منظمات القطاعين العام و الخاص و مؤسسات المجتمع المدني – كل بما يناسبها – لمفهوم الحوكمة ، و تطبيقاتها و آلياتها ، هو الإجراء العملي الأمثل الذي يضمن تحجيم الفساد و حماية النزاهة في أي منظمة، كما أشارت الدراسات على أن مفهوم الحوكمة و آلياتها لم يكن يوما إجراءا تحسينيا تلجأ له المنظمات بل ضروريا يضمن به استدامة المنظمة ، و تشغيلها بكفاءة تحقق الأهداف الانية و المرحليه التي رسمت لها.
ساهمت المؤسسات غير الربحية و مؤسسات المجتمع المدني في تشكيل مفهوم الحوكمة في بداياته في الدول الغربية أواخر القرن الماضي، و استهدفت بتلك المساهمة حفظ موارد المنظمات المالية، و ضمان فاعلية إدارية و كفاءة تشغيلية مستدامة لتلكم المنظمات، و هو أمر يتسق مع الغاية من الوقف و مفهومه القائم على استدامة الأعيان الموقوفة و جريان منافعها على المستفيدين منها بحسب شرط الواقف. و في الوقت الذي تفصل فيه حوكمة الشركات بين الإدارة و الملكية ، فتخرج الإدارة فقط من سيطرة الملاك ، فإن حوكمة المنظمات الوقفية تقوم على المفهوم الشرعي للوقف الذي تخرج به الأعيان الموقوفة من ملكية الواقف و كذلك النظارة عليها – إن إرتأى الواقف ذلك في حياته- و هو أمر يستلزم تطبيق معايير قد تزيد في تفصيلاتها و دقتها عن معايير حوكمة الشركات المعهودة.
و في ظل ما يشهده قطاع الأوقاف في المملكة العربية السعودية من إعادة تنظيم تهدف إلى تعزيز دور الأوقاف في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية وفقا لمقاصد الشريعة، و ما أعلنت عنه وزارة التجارة و الصناعة من أنها تعكف على دراسة نظامي الشركات الوقفية و غير الربحية، أرى ضرورة المبادرة بمشروع تكميلي ، مستقل أو جزئي ، لعمل لائحة استرشادية لحوكمة المنظمات الوقفية تضمن تبنيها و تطبيقها للحد الأدنى الضروري من مبادئ و آليات الحوكمة التي يتحقق بها شرط الواقف ، و تحفظ بها حقوق الموقوف عليهم، و يضمن بها تحقيق قدر أعلى من الشفافية و العدالة، و تساهم – بالفعل – في الحد من الفساد الإداري و المالي الناتج عن استغلال السلطة، و تعارض المصالح. كما ينبغي أن تكون اللائحة المقترحة شاملة لميثاق عام لمجلس النظار و اللجان الأخرى المنبثقة عنه، و موضحة للحد الأدنى لمكونات التقرير السنوي الواجب الالتزام به و متطلبات الافصاح و الشفافية ، و محددة للوصف الوظيفي لناظر الوقف و مهامه و أجرته بحسب المقتضى الفقهي و القانوني.
أرى أن فرض الهيئة العامة للأوقاف لللائحة الاسترشادية – المقترحة- على المنظمات الوقفية أدعى لتبنيها و تحقيق الهدف المنشود من إقتراحها، و ذلك بجعلها متطلبا للموافقة على إنشاء أي وقف جديد ، و إمهال المنظمات الوقفية القائمة فترة لاعتمادها، وذلك بحسب المادة الرابعة من نظام الهيئة العامة للأوقاف الذي يخولها الإشراف على الأوقاف العامة و الخاصة و المشتركة، و أيضا بحسب المادة الخامسة التي نصت على تولي الهيئة مهمة الموافقة على طلبات إنشاء الأوقاف الجديدة.