شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

التصدق بالقيمة أولى من زخرفة المساجد..!

_تكون_الصدقة_الجارية.jpg

_تكون_الصدقة_الجارية.jpg

الأربعاء 22 شوال 1437هـ الموافق 27 يوليو 2016م

دعيتُ من قبل صديق للمشاركة في حفل افتتاح مسجد جامع بناه والده في إحدى المناطق، ففوجئت بتكلفة إنشائه العالية التي رواها لي الصديق، فأوحتْ لي بهذه المقالة التي أقول فيها:

قال المناوي في فيض القدير: زخرفة المساجد، وتحلية المصاحف منهي عنها، لأن ‏ذلك يشغل القلب ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى

لاشك أن بناء المساجد للمسلمين عمل جليل يثاب عليه فاعله بأن يبنى له بيت في الجنة، جزاء له على توفير مسجد للمسلمين يؤدون فيه فرائضهم ونوافلهم ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “من بنى لله مسجدا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة”، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: “من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة”. لكن ينبغي ألا يُفهم ذلك على إطلاقه، إذ إنه هو مشروط بقدر الحاجة إلى المساجد، كما ذهب إلى ذلك أهل العلم، ومنهم السفاريني في (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب) الذي قال: “اعلم وفقنا الله وإياك لكل فعل حميد وعمل سديد وقول مفيد أنه يجب بناء المساجد في الأمصار والقرى والمحال ونحوها، ولكن بحسب الحاجة”.

نعم إن بناء المساجد، وهي بيوت الله التي يذكر فيها اسمه كثيرا، يجب أن يكون على قدر الحاجة. والحاجة هنا تفسر من ناحيتين: أولاهما: حاجة المصلين إلى المساجد، ثانيهما: أن تكون تكلفة بنائها مما فَضُلَ من حاجتهم إلى المال، لأنه إن كان ثمة حاجة للمال، فقضاؤه في التيسير على ذوي الحاجات أولى وأتقى وأبر.

وإلى جانب ما يُشاهد من مبالغة في بناء المساجد بما يزيد على الحاجة، حيث بتنا نعايش وجود مساجد لا يفصل بينها إلا أمتار، ومرتادوها من القلة بحيث لا يكملون صفا واحدا، فهناك أمر آخر، ألا هو ما يتصل بزخرفتها، سواء فيما يتصل في نوعية البناء، أم في جلب الاكسسوارات غالية الثمن التي يتبرع فيها بعض المحسنين عن طيب خاطر، ظنا منهم أنهم يحسنون صنعا!

وزخرفة المساجد وتزويقها والمباهاة في إنشائها وبنيانها لم يأت في الشريعة إلا في سياق الذم. فلقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد”، وفي لفظ آخر:”من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد”.

أما فيما يتصل في النهي عن زخرفة المساجد، فلقد جاء عن أبي ‏الدرداء رضي الله عنه قال:”إذا زوّقتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار ‏عليكم”، والحديث له حكم الرفع كما ذكر ذلك بعض أهل الحديث. كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كما عند البخاري، قوله:”يتباهون، ثم لا يعمرونها إلا قليلا”، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: “‏لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى”. وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: “ما ساء عمل قوم قط، إلا زخرفوا مساجدهم”.

ولقد افتتح البخاري (باب بنيان المسجد) من صحيحه بقوله:” قال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل. وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببناء المسجد وقال: أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس”. وعلق الحافظ بن حجر في (الفتح) على حديث الباب بقوله:” وقال ابن بطال وغيره: هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه”.

وقال المناوي في فيض القدير:”زخرفة المساجد، وتحلية المصاحف منهي عنها، لأن ‏ذلك يشغل القلب ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى.

والواجب على الموسرين الذين لديهم فضل مال أن يتحسسوا الفقراء والمحتاجين، فيواسونهم، فذلك أبر وأزكى من إنفاق المال في التوسع في بناء المساجد وتزويقها وزخرفتها، وهو أمر، على الأقل، ليس مما تحمده الشريعة، سيما وأن الفقر والحاجة والمسغبة لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي لأي بلد كان، إذ الفقر مرتبط بدوام الاجتماع البشري. فلم يخل، ولن يخلو مجتمع من فقراء ومحتاجين، على اختلاف أسباب ودواعي فقرهم وعوزهم.

ولقد جعل الله الأرض للمسلمين مسجدا وطهورا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل، ولا يلزم أن تكون الصلاة في مسجد مزخرف مطلي بالاكسسوارات الفخمة، والمباني الضخمة.

والله المستعان وعليه التكلان.

 

المصدر: صحيفة الرياض السعودية .