شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

الوقف السعودي والرحالة ابن بطوطة

 

الوقف السعودي والرحالة ابن بطوطة

 

 

 

ساهم الوقف, على مدار التاريخ, في إبراز الوجه الحضاري للإسلام والمحافظة على الحس الحضاري والإنساني لدى المسلمين وإنمائه, وهو أمر لم يبلغه الغرب, في ذلك الوقت, بل كان يرفل في ثياب التخلف والظلمات التي أطبقت على الحياة في مختلف جنباتها.

ومن أعجب ما ذكره الرحالة ابن بطوطة في ذلك “أوقاف الأواني”، إذ قال عن تجربة شخصية له: “مررت يومًا ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكًا صغيرًا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني، وهم يسمونها الصَّحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم: اجمع شقفها، واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني. فجمعها، وذهب الرجل معه إليه، فأراه إياها، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، وهذا من أحسن الأعمال؛ فإن سيد الغلام لا بُدَّ له أن يضربه على كسر الصحن، أو ينهره، وهو -أيضًا- ينكسر قلبه، ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرًا للقلوب.

وقال أيضا عن أوقاف دمشق:والأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها؛ لكثرتها، فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج، يُعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته، ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن، وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن، ومنها أوقاف لفكاك الأسارى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل، يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم، ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها؛ لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون، ويمر الركبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير.

بل إننا نجد حتى الحيوانات, لها نصيب من الاهتمام, وثم من وقف على الكلاب والقطط العمياء والمكسورة والجريحة, فالأمير “عبد الرحمن كتخدا” في فترة حكم الدولة العثمانية لمصر استخدم الوقف للإنفاق على بعض الحيوانات كالقطط؛ بتوفير الطعام الذي كان يقدم لها بعد صلاة العصر.

وتعجب حينا ترى في غوطة دمشق, وهي من أجمل وأفضل الأماكن فيها كانت وقفا على خيول المجاهدين التي يدركها الكبر وتعجز عن الخدمة , فتترك في تلك الغوطة تأكل من ثمارها وشجرها وتشرب من مياهها النقية , حتى إذا نفقت دفنت بتقدير لدورها.

وانتشرت المؤسسات الاستشفائية الوقفية في المغرب الأقصى، والتي كانت تقدم العناية الصحية لبعض الحيوانات كطائر اللقلاق الذي كان يُحمل إلى المشفى – كأي مريض آدمي- إذا أصيب بأذى.

هذه بعض النماذج لما كانت عليها المجتمعات الإسلامية, من تقدم مبهر في مجال التكافل الإنساني, والعناية حتى بالحيوان, وهو الأمر الذي لا نكاد نذكره في تاريخنا, على الرغم من الحاجة الملحة والشديدة لإبرازه, لوقف حملات التشويه الممنهج للإسلام.

تذكرت ذلك كله حينما طالعت تقريرا صحفيا يقول إن عدد الأوقاف المسجلة في السعودية خلال العام الماضي، بلغ نحو 8628 وقفا، شملت 11 نوعاً كالأراضي والمزارع والمحال التجارية والشقق، حيث شكلت أوقاف الأراضي نحو 29 في المائة من إجمالي الأوقاف التي تم إيقافها، إذ يقدر عددها بنحو 2529 أرضا موقفة.

وجاءت الأوقاف من نوع المزارع في المرتبة الثانية من إجمالي الأوقاف، حيث تم إيقاف 2317 مزرعة، تليها إيقاف 1190 سكناً لأئمة ومؤذني المساجد، تليها إيقاف 295 عمارة، إضافة إلى 222 منزلاً، و204 محال للمواد الغذائية.

وبلغ عدد الأسواق التي تحولت من أصحابها إلى وقف 25 سوقا تجارية، منها 12 في مكة المكرمة، وست في عسير، وأربع في المدينة المنورة، إضافة إلى إيقاف شقتين.

وتمنيت حين طالعت ذلك التقرير أن نجد من بيننا رحالة كابن بطوطه, أو مؤرخا أو اعلاميا, يسلط الضوء ويلفت الأنظار إلى هذا الدور التنموي والتكافلي الرائع, الذي يبرز سماحه هذا الدين الإسلامي, وسمو أخلاق أبناءه في هذا البلد الأمين, ففي نشر هذه التقارير واذاعتها ـخاصة في وسائل الإعلام الغربية ـ أبلغ رد على المتنطعين الذين يتهمون الإسلام وأهله بالارهاب التطرف نتيجة تصرفات مستنكره من بعض اتباعه ويتناسون ويتغافلون عمدا عن هذا الجانب الشرق المضيء.

أبو لجين إبراهيم آل دهمان – الرياض