لماذا تغيب الأوقاف التعليمية في السعودية ؟!
لا تمتلك الهند – التي صار لديها نظام تعليمي متطور – قدرات مالية كبيرة تمكنها من الإنفاق على خطط تطوير التعليم المكلفة .. لكنها تمتلك الفكر والرغبة ، وهذا كافٍ في رأيي .. فأحد أهم أسباب نجاح خطط التعليم الهندية هو إشراك المجتمع فيها ، من خلال توعية الناس – المسلمين تحديداً – بدفع أموال زكواتهم وتبرعاتهم وأوقافهم في اتجاه التعليم الحديث ، بوصفه القادرعلى التغيير الفعلي للمجتمعات نحو الأفضل .
يقول رئيس الجمعية الأشرفية في مومباي: « يجب أن يتجاوز دعمنا كمسلمين التعليم الديني الذي يستأثر بالحصة الأكبر من أموال الزكاة ، فالحاجة ملحة اليوم للتعليم الحديث، ومن خلال تعليم فرد واحد ننقذ أسرة بأكملها من براثن الفقر». ويضيف مؤسس ومدير المؤسسة الهندية للزكاة : «عندما يتبرع الناس بالمال للمؤسسات التعليمية ، فإنهم بذلك يبعثون برسالة بخصوص المستقبل الذي يريدونه لبلادهم .. نحن نستغل أموال الزكاة في مدارس ومعاهد ، تمكّن الشباب المسلم على الصعيد التعليمي».
تقدّر أموال الزكاة في الهند بحوالي 700 الى 900 مليار روبية ،وهو مبلغ يستطيع حال توجيهه الوجهة الصائبة أن يساهم في القضاء على الفقر والجهل كما يقول (غيث الدين خان) مؤسس «صندوق الزكاة» الذي استطاع من خلال مؤسسته تقديم المساعدة لما يزيد عن 600 ألف طالب مسلم ، استطاعوا رفع مستوى عائلاتهم وتحويلها الى عائلات منتجة بعد أن أصبحوا يعملون كأطباء ومهندسين ومعلمين ومحامين .
كلما شاهدت مثل هذه الأرقام تساءلت عن سبب غياب المال الخيري لدينا عن الإسهام في التعليم تحديداً ؟!.. هل يعود ذلك لأسباب بيروقراطية من الجهات التعليمية نفسها ، أم لقلة وعي المجتمع بأهميتها ؟!. ولماذا تغيب الأوقاف التعليمية ، التي لا تكاد تذكر إلا في بعض المدارس الدينية القديمة، ومراكز التحفيظ، ومدارس الجاليات؟! .
المال الخيري في كل بلاد الدنيا -حتى الثرية والمتقدمة منها – يعد رافداً مهماً من روافد التنمية ، وكبريات جامعات العالم ومستشفياتها ومراكز بحوثها يتم دعمها من خلال أوقاف وصناديق خيرية تسمى «ترست» ( أوقاف جامعة هارفارد تبلغ حوالي 37.6 مليار دولار) .. هذا ليس معيباً .. المعيب هو أن لا نستفيد من الثروات الكبيرة، والعطاءات الضخمة، والنزعات الإنسانية لبعض المحسنين في مجتمعنا بما يعود على المجتمع كله بالخير .
أعتقد أن مشكلة العمل الخيري في مجال التعليم هي مشكلة ثقة في المقام الأول ، تحتاج أولاً الى فتوى واضحة من هيئة كبار العلماء ، ثم الى برامج توعية من وزارة التعليم تفتح المجال أمام المال -مهما كان حجمه – للمشاركة في التعليم ، بوصفه العامل الأهم في نهوض الأمم ، وبوصفه عملاً لا يقل ثواباً ولا خيرية عن بناء المساجد