نجوى عبداللطيف جناحي:
يُعد الوقف الخيري أحد الموارد المالية المهمة للمجتمع، فهو يشكِّل مصدرا لتمويل احتياجات الناس المختلفة كالحاجة إلى الطعام والعلاج والتعليم، كما يؤمِّن احتياجات المجتمع، فيوفر آبار مياه الشرب، وتعبيد الشوارع، وإقامة المستشفيات، وغيرها من الخدمات العامة، حتى أصبح الوقف في بعض العصور الإسلامية هو المصدر الرئيسي لتمويل احتياجات المجتمع.
ويوقف الواقفون أموالهم بأنواعها المختلفة كالمباني، والمزارع، والاسطبلات وغيرها ـ وكلهم رجاء أن يستفيد الموقوف عليهم من هذه الأموال مدى الدهر وبأفضل السبل، لذا هم يحتاجون لمن يقوم برعاية والوقف وإدارته وصيانته والحفاظ عليه، وتطويره، وتحصيل ريع استثماره وإنفاقه على الموقوف عليهم، ويُسمَّى من يدير الوقف (بناظر الوقف) وهو يُعيَّن من قبل الواقف أو أهله أو القاضي.
وبطبيعة الحال، فإن الواقف سيعين نفسه أو أحد أقاربه كناظر للوقف باعتبار ملكيته السابقة للعقار، ولا يتدخل القاضي في قرار الواقف في اختيار ناظر الوقف إلا في حال عجز الواقف أو عجز أبناؤه عن الاختيار، سواء كان سبب هذا العجز الوفاة أو المرض أو غيرها، ويشترط في ناظر الوقف أن يكون عاقلا بالغا، كما يشترط فيه الأمانة والكفاءة والخبرة في إدارة العقارات حتى يحافظ على العين الموقوفة، وقد أعطى الشارع الحق لناظر الوقف أن يستفيد من ريعه نظير جهوده في رعايته وإدارته والحفاظ عليه فيكون دافعا لأصحاب الخبرة للعمل كنظار للوقف. واختلف العلماء في النسبة المخصصة لناظر الوقف، وقد ذهب الغالبية إلى تحديد 7% من ريع استثمار الوقف لصالح ناظر الوقف.
وفي العصور القديمة كان نظَّار الوقف هم من أفراد من عامة الناس، ولكن مع ظهور المؤسسات المالية والاستثمارية في العصر الحديث ظهرت فكرة حديثة وهي أن توكل نظارة الوقف لشركات استثمارية، وشركات متخصصة في إدارة العقارات والأصول المالية، وفي بعض الأحيان تنشأ محفظة في بعض المؤسسات المالية الإسلامية كالمصارف أو المؤسسات الاستثمارية تختص لإدارة الأوقاف، وبذلك تحل هذه المؤسسات المالية محل ناظر الوقف لتتولى إدارته ورعايته واستثماره. وتحصل هذه الشركات أرباحها من النسبة المخصصة من ريع الوقف لصالح ناظر الوقف.
وتهتم شركات ومؤسسات إدارة الوقف الخيري برعاية العين الموقوفة من جميع الجوانب، فهي تتولى إدارتها واستثمارها ورعايتها، كما تتولى دراسة أوضاع المستفيدين من الوقف الخيري من الناحية الاجتماعية معتمدة على الباحثين الاجتماعيين في دراسة أحوال المستفيدين من الوقف. فعلى سبيل المثال، إذا ما كان الموقوف عليهم طلبة العلم، فيتولى هؤلاء الباحثون الاجتماعيون دراسة أحوال المتقدمين لطلب الدعم المالي، وتتابع تحصيلهم الدراسي، كما تتضمن تلك الشركات باحثين شرعيين يقومون بتحليل عقود الوقف، فيدرسون شروط الواقف، ويقدمون الآراء الفقهية للمستجدات في احتياجات الوقف، كما تعين تلك الشركات مدققا شرعيا داخليا مهمته التحقق من أن جميع الأقسام تدير الوقف دون إخلال بشروط الواقف كما تتحقق من مدى التزام تلك الأقسام بالأحكام الشرعية للوقف.
وأرى أن لهذه التجربة وهي: أن يكون ناظر الوقف هي عبارة عن شركة مالية، وليس فردا، هي تجربة لها إيجابيات كثيرة، أبرزها أن نظارة وإشراف الشركات أكثر احترافية من نظارة وإشراف الفرد، فالفرد يدير الوقف ويرعاه بقدراته وخبراته المحدودة، أما الشركة الوقفية فهي مؤسسة مالية تضم العديد من الخبرات المتنوعة، كما أن هذه المؤسسات لها إمكانات عالية في الإدارة تفوق إمكانات الفرد. هذا وتتسم نظارة الشركات الوقفية بالاستمرارية، فناظر الوقف (الفرد) قد يتراخى في نظارته نتيجة انشغاله في بعض الأحيان كالسفر أو انشغال بالدراسة أو مرض يلم به، أو قد يواجه صعوبات وتحديات في إدارة الوقف يعجز عن حلها بمفرده، أما الشركات الوقفية فلديها إمكانات تساعدها على الاستدامة والاستمرارية في نظارتها على العين الموقوفة، ومن مميزات نظارة الشركات الشفافية في العمل، فجميع تلك المؤسسات ملتزمة بمبادئ الحوكمة بحكم قانون إنشاء الشركات. لذا هي ملتزمة بالإفصاح عن تقاريرها المالية، وعليها أن تعرض تلك التقارير على الجمعية العمومية للشركة وعلى مجلس الإدارة، كما تنشرها للجمهور في الصحف ووسائل الإعلام ومواقعها الرسمية، ومن حق أي طرف أن يبدي رأيه ويحاسب القائمين على تلك الشركات. أما في حالة نظارة الفرد فلا يعلن تقاريره المالية ولا يفصح عنها إلا للقاضي، كما أنه لا يحاسب إلا من قبل القاضي فقط. ومن مميزات نظارة المؤسسات المالية على الأوقاف عن نظارة الفرد أن الشركات لديها الإمكانات للإشراف على عدد كبير من أعيان الوقف في مجالات مختلفة مما يحقق تكامل الوقف وتجميع ريع استثمار عدد كبير من أعيان الوقف في صناديق محددة يعنى كل صندوق بخدمة مجال من المجالات الاجتماعية مما يحقق المزيد من الفاعلية لخدمة المجتمع. ويمكننا القول إن انتقال نظارة الوقف من العمل الفردي إلى العمل المؤسسي، ينحى بنظارة الوقف الخيري نحو الاحترافية في إدارته ورعايته وتنمية مما يعود على العين الموقوف بالنفع، وبالتالي يسهم في فاعلية الوقف الخيري وزيادة أثره في التنمية الاجتماعية والاقتصادية على حدٍّ سواء
المصدر: جريدة الوطن عُمان