أهمية الأوقاف الإسلامية خطبة الجمعة / للشيخ سعود الشريم 14/ صفر / 1431 هـ |
http://www.asmreekasounds.com/upfiles/up_down/652dc2ae8054aabd572a62b0edf4e885.mp3
لتحميل الخطبة مقروءة | |
الخطبة الأولى
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول .. لا إله إلا هو إليه المصير ، أحمده – سبحانه – وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، وأعوذ به من العمى بعد البصيرة ومن الضلالة بعد الهدى ومن الحور بعد الكور .. أما بعد ..فياأيها المسلمون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله – سبحانه – واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها ، وأن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار . أيها الناس : لا تزال أمة الإسلام بخير وسلامة ورقي ما شاعت بينهم روح التعاون .. روح التعاون والتكافل والشعور بالآخر بعيدًا عن مراتع الأنانية والأثرة ، وهي لا تزال بخير أيضا ما أحس الغني بمسغبة الفقير وأبصر قلب الواجد فراش ذي الإملاق ولامس سمعه وبصره أصداء المعدمين وأنات المثقلين .. ألا وإن من أعظم ما يشد من أزر المجتمعات ويوثق الصلات ويوثق الصلات بين الطبقات المختلفة ماديا واجتماعيا فيها هي الأوقاف الشرعية الخيرية .. إن شجرة الأوقاف الخيرية تمتد جذورها إلى عهد صاحب الرسالة – صلوات الله وسلامه عليه – فإنه كان أجْوَدَ الناس وأبرَّ الناس وأتقى الناس دعوةً إلى التلاحم والتآخي .. وأحزم دلالةً على رفع الفقر وكفِّ المسغبة امتثالا لأمر خالقه – جل وعلا – في قوله : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (11- 16 سورة البلد) . الوقف – عباد الله – نوعٌ من أنواع الصدقات المندوبة .. غير أنه أفضلها وأدومها وأتقنها وأعمها ، الوقف – عباد الله – علوٌّ للواقف وعزيمةٌ مؤكدةٌ للقضاء على الجشع والشُّحِّ وحبِّ الذات ، الوقف رحمةٌ وإحساسٌ نبيل ودعمٌ بالغٌ لاقتصاد المجتمع المسلم؛ لأن الأوقاف الخيرية تُعدُّ من أهم مقومات المجتمعات الناجحة .. تُعدُّ من أهم مقومات المجتمعات الناجحة اقتصاديا ؛ إذ يمثل أحد محوري الاقتصاد .. وهو المحور الأهلي المؤسسي . الوقف – عباد الله – هو أحد الأمور الثلاثة التي لا تنقطع بوفاة المرء وفراقه للحياة الدنيا ؛ إذ هو الذي قال عنه – صلى الله عليه وسلم – : ” إذا مات ابنُ آدمَ انقطَعَ عملُه إلا مِنْ ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علمٍ يُنتفَعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له” رواه مسلم . ومن هذا المنطلق ضربت أمة الإسلام فيما مضى أرقى الأمثلة على جدارتها وقدرتها على الريادة وتبوء مكان الصدارة التي سمَت بسببها النزعة الإنسانية بين أفرادها ، بل تعدى الأمر إلى أبعد من ذلكم .. حيث طالت بعض الأوقاف أعلاف البهائم ونحوها .. لقد بلغت أمة الإسلام في الأوقاف ذورتها التي لم يصل إليها أحد من قبل ؛ فأقاموا المؤسسات الاجتماعية لوجوه البر .. لوجوه البر والخير .. فأوقفوا للعلم وأوقفوا للقضاء وأوقفوا للصحة وأوقفوا للفقر وأوقفوا للقرآن وحفظته وأوقفوا للمساجد والمدارس والأئمة والعلماء .. وغير ذلك ، حتى قضوا بذلكم على بواعث الشح التي يؤز إليها الشيطان أزّا ليرهبهم بالفقر وخوف العيلة .. فكان سلاحهم في ذلك قول الله – تعالى – : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268 سورة البقرة) . قال ابن مسعود – رضي الله عنه – : لما نزلت مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً … (245 سورة البقرة) قال أبو الدحداح : يارسول الله .. وإنَّ اللهَ يريدُ منَّا القرض ؟ قال : نعم ياأبا الدحداح ، قال : فإني أقْرضْتُ ربي حائطًا فيهِ ستمائة نخلة ، ثم جاء يمشي حتى أتى الحائِطَ وفيه أمُّ الدَّحداح في عيالِها فنَادَاها : ياأمَّ الدحْدَاح ، قالت : لبَّيك ، قال : اخرُجِي ؛ فإني قدْ أقرضت ربي حائطًا فيه ستمائة نخلة ” رواه البزار وصححه الهيثمي ، وفي بعض الروايات أنها قالت : ” ربَحَ بيْعُكَ أبَا الدَّحْداح ” . فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (5-10 سورة الليل) . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم . الخطبة الثانية : أيها الناس : إن من يقرأ تاريخ الأوقاف عبر العصور ليجدنَّ أمرًا عجبا ، وليلْحظن بأم عينه المساحة الواسعة للأوقاف في الدولة الإسلامية .. حتى لقد بلغت بعض البلاد الإسلامية آنذاك مبلغا عظيما في جانب الأوقاف ؛ فلقد حصرت المساحات الزراعية فيها فوُجِد أن ثلثي تلك المزارع قد أوقفت وقفا خيريا أو ذريا . غير أن الرامق ببصره والمصغي بأذنه في زمننا هذا ليدرك عمق الهوة بيننا وبين ماضينا في باب الأوقاف، ولسوف يرى مدى انحسار الوقف في عصرنا الحاضر ليغيب عن تواجده المعهود أزمانًا خلت .. والذي يرجع سببه إلى الجهل بقيمته وفضله وإلى التسويف والتأجيل إلى أن تحل المنية ثمت لا وقف .. وللشح دورٌ غلاب لدى كثير من ذوي السعة والوجد ، إضافة إلى ضعف الثقة بنظار الأوقاف أو أمنائها ما يحدث ردة فعل عكسية ناتجة عن بعض الممارسات السلبية من قبلهم ، والواقف خير شاهدٍ على هذا .. فكم من غني وجد فوجد ثم فاجأته المنية فلم يجد بعد مماته ما كان في حياته قد وجد .. أفنى عمره في جمع المال وتعداده وكأنه خزانةٌ لمن بعده .. يجثم الشيطان على قلبه يخوِّفه من العيلة إن أوقف من ماله شيئا ، وما درى مثل هذا المسكين أن المشاهد في كثير من واقع الموسرين أنهم يموتون ولما يوقفوا شيئا من أموالهم .. ثمت يذهب ما يجمعون شذر مذر ، والرابح منهم من ذكره أحد ولده بخير فتصدق عنه حينا ونسيه أحيانا كثيرة . ولأجل هذا – عباد الله – فإن الأصلح لكل موسر عدة تركته بالملايين أن يقدم الوقف على الوصية انطلاقا من خبرات مختصين ومشاهدة سابرين لواقعنا المليء بالثروات الشخصية ؛ وذلك لأجل سببين مهمين : -وثانيهما : أن الغالب في تركات الموسرين العظيمة أن تمضي عليها السنون الطوال ولما تقسم بعد بسبب تشعبها وكثرتها وخلاف ورثتها ؛ فتتعطل الوصية تعطلا بالغا بسبب ارتباطها بالقسمة ، بخلاف الوقف .. فإنه قد أنجز إبان الحياة فلا علاقة له بقسمة التركة .. كما إنه ينبغي أن يعلم أن أهل العلم – رحمهم الله – ذكروا أن للواقف أن يشترط الاستفادة من غلة وقفه ما دام حيا تحسبا لنوائب الحياة قبل مماته .. فإن شاء أخذ منه وإن شاء أنفقه ، فإذا مات بعد ذلك صار حتما إلى وجو أهل الخير والبر . ولقد صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ يقول لأصحابه : أيُّكُمْ مالُ وارثِهِ أحبّ إليهِ مِنْ مالِه ؟ قالوا : يارسولَ الله .. ما منَّا أحدٌ إلا مالُه أحبّ إليْهِ ، قال : فإنَّ مالَه مَا قدَّم ومَال وارثِه ما أخَّر” رواه البخاري في (الأدب المفرد) . ألا إن المال غاد ورائح ومقبل ومدبر ، وما هو إلا وسيلة للإنفاق والبذل كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” أفضَلُ الصَّدقَةِ مَا كَانَ عنْ ظهْرِ غِنَى” متفق عليه .. ورضي الله عن عمر الفاروق الملهم .. فقد خرج يوما إلى البقيع فقال : ” السلام عليكم يا أهل القبور .. أخبار ما عندنا أنَّ نساءَكُم قد تزَّوجْن ودُوْرَكُم قدْ سُكِنَتْ وأموالَكُم قَد قُسمت ، فأجابه هاتف : ياعمرُ بن الخطاب .. أخبارُ ما عنْدنا أنَّ ما قدَّمْنا وجدْنَاه ، وما أنفقْنَاه فقَد ربحْنَاه ، وما خلَّفنَاه فقدْ خسِرنَاه”. أَلا إنَّ مَنْ رامَ الفلاحَ لنفسِه **** وفازَ مِن الدُّنيا بمالٍ وَافِ هذا ، وصلوا – رحمكم الله – على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله .. صاحب الحوض والشفاعة ؛ فقد أمركم الله بأمر بدأ به بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون .. فقال – جل وعلا – : … يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56 سورة الأحزاب) ، وقال – صلوات الله وسلامه عليه – : ” مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشْرا “ اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر ، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة – أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي – وعن سائر صحابة نبيك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ياأرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين . اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح آئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء .. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا ياذا الجلال والإكرام .. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . |