شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

هيئة الأوقاف .. حلم تحقق

هيئة الأوقاف .. حلم تحقق  …

فهد بن عبد الله القاسم

       الثلاثاء 20/ جمادى الأولى / 1431هـ     4/مابو/2010 م

أخيرا تقرر فصل الأوقاف لتكون جهة مستقلة تحت اسم ”الهيئة العامة لأوقاف” وهي حلم تحقق .. لماذا هي حلم؟ وعادة ما يقال للشيء حلم إذا كان يتمناه ويصعب حصوله, وحقيقة تمنيت إنشاء الهيئة ولا أكتم حديثاً إذا أقررت بأنني بعد طول انتظار يئست من حدوثه, فشكرا لكل من أسهم في هذا الحدث المهم في تاريخ الأوقاف في المملكة.

الأوقاف في ديننا الحنيف ليست أداة أو وسيلة .. وإنما هي برنامج عمل متكامل يستشرف فيه الواقفون المستقبل, ويحبسون بموجب هذا البرنامج جزءا من ثرواتهم لتنفيذ برامج العمل المستقبلية, سواء كانت هذه الأوقاف مخصصة للأسرة وهي ما تسمى ”الوقف الذري” أو كانت أوقافا مخصصة لعمل الخير وهي ما يطلق عليه ”الوقف الخيري”.

من خلال علاقتي بكثير من رجال الأعمال والعائلات الموسرة والبيوت التجارية, أجد في الغالب لديهم اهتماماً كبيراً وحرصاً بالغاً على إيجاد الأوقاف التي تحفظ استمرارية العمل الصالح لهم بعد وفاتهم, إضافة إلى مساهمتها في تأمين مستقبل أسرهم مادياً في المستقبل بعد حفظ الله. وعلى الرغم من قدم تطبيقات الوقف إلا أنه – مع الأسف – لا توجد الآليات التي تساعد على تنظيمه للأفراد والمؤسسات بيسر وسهولة, كما أن ثقافة الوقف وآلياته غير واضحة للراغبين في الوقف. وعلى الرغم من أن وكالة الوزارة بذلت جهوداً جبارة في سبيل التوعية والتوثيق والإدارة للأوقاف إلا أن حذر المواطنين من تدخل الوكالة في أوقافهم كانت ظاهرة لا ينكرها أحد, وذلك لأسباب عديدة أهمها عدم الثقة بآليات الوكالة لإدارة هذه الأوقاف, لم تكن هذه الثقة مرتبطة بالأشخاص, حيث لا نشهد على وكيل الوزارة أو موظفيه إلا بالخير ولا نزكي على الله أحدا, لكنها طبيعة العلاقة بين المواطن والأجهزة الحكومية التي تتخوف من المجهول!

من المعلوم لدى القريبين من الأوقاف أن وكالة الوزارة لديها من الثروة الوقفية ما لا يمكن تصور حجمها, يتوقع بعضهم أن تتجاوز الثروة النقدية من الأوقاف عشرة مليارات ريال, في حين لا يمكن إحصاء الثروة الوقفية من العقارات التي تتولى وكالة الوزارة إدارتها.

الملاحظ في الأوقاف التي أشرفت عليها الوزارة سابقاً, أنها لم تعلن أي إيرادات أو مصروفات وقفية تمت للأوقاف التي تقوم بإدارتها, وإن كانت الإيرادات تودع في حسابات الوكالة في المؤسسات المالية الحكومية والخاصة, إلا أننا لم نر أو نسمع من قبل عن أي مصارف أو مشاريع قامت بها وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف, وهذا أحد الأسباب الإضافية التي دعت إلى ابتعاد المواطنين عن الوكالة وعدم طلب مشاركتها في إدارة أو توثيق الأوقاف الخاصة بهم.

لقد كان قرار تأسيس الهيئة العامة للأوقاف شاملاً من حيث نقل المهمات المتعلقة بالأوقاف من الوزارة ومن مجلس الأوقاف الأعلى والمجالس الفرعية إلى الهيئة العامة للأوقاف, وتحديد مهام الهيئة العامة للأوقاف باقتراح الخطط والسياسات العامة والأنظمة المتعلقة بنشاط الأوقاف وتنفيذها بعد إقرارها ومراجعتها وتقويمها والعمل على تطويرها وتحديثها، وإدارة الأوقاف التي تكون الهيئة ناظرة عليها واستثمارها على أسس اقتصادية وبأساليب تجارية بقصد حفظها وتنميتها, (يعني كل شيء تقريباً) هذه الشمولية تعني أن الهيئة العامة للأوقاف سيكون لديها من الأعمال والمهام والثروة ما يفوق أكبر المؤسسات الاستثمارية ويتجاوز أضخم الشركات الاستثمارية.

من المهم أن تكون لدى الهيئة رؤية واضحة واستثنائية لأنها ستجمع بين أربع مهام رئيسة, الأولى التشريع, حيث إنها ستقوم باقتراح السياسات العامة والأنظمة ذات العلاقة, والثانية مهام توثيقية للأهمية البالغة للتوثيق في مسألة الأوقاف سواء في تسجيل الأصول وحفظ مستنداتها أو ضبط الإيرادات أو تأكيد المصارف وفق اشتراطات الواقفين, المهمة الثالثة تتعلق بالصرف, وهذه المهمة وإن كانت واضحة إلا أنها هي المهمة السهلة الممتنعة التي تحتاج إلى الحكماء الأقوياء الأمناء, أما المهمة الرابعة فتهتم بالاستثمار, وهذه تحتاج إلى المهنيين المختصين المحترفين.

المهمة الأصعب وسر نجاح الهيئة سيكمن – من وجهة نظري – في اختيار الرجال الذين سيحملون على عواتقهم مهام إدارة الهيئة بشكلها وصياغتها ومهامها الجديدة, خاصة أن الرجال, كما قال عنهم الرسول – صلى الله عليه وسلم ”كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة” إذا كان هذا في عهد أفضل الرجال فكيف بهم اليوم! ومن حظ محافظ الهيئة الوليدة أنه سيتسلم تركة خفيفة, فرجال وكالة الوزارة قاموا بجهود جبارة خلال السنوات الماضية في سبيل حصر وتنظيم وتوثيق الأوقاف القائمة, وأعتقد من الحكمة أن يستفاد من هؤلاء الرجال الذين اكتسبوا كثيرا من الخبرات المتراكمة, مع أهمية التنقية وإزالة الشحوم والأورام التي لا يسلم منها جهاز حكومي.

من جانب آخر, أتمنى أن يكون للمؤسسات الوطنية دور مهم وشراكة أصيلة في إدارة أوقاف الهيئة, سواء على مستوى المؤسسات المالية أو الشركات العقارية, كما أتمنى أن يشتمل نظام الهيئة على حوافز مادية مجزية للعاملين مرتبطة بالأداء ما يجعل الهيئة هدفاً وأملاً للمتميزين والنابغين والفاعلين من المواطنين والخيار الأول للمبدعين الأفضل في سوق العمل, وألا تخضع للأنظمة الحكومية في التعيين والرواتب والتكليفات والمكافآت.

نتوقع من الهيئة دوراً بارزاً في مهامها الوقفية, وتطوير أعمالها, وتشجيع البرامج الوقفية للأفراد والمؤسسات, وتعظيم إيرادات الأوقاف العامة, وحسن التصرف في هذه الإيرادات في المصارف الوقفية لها, ومن المهم أن تكون الشفافية عنواناً بارزاً للهيئة بحيث تكون حافزاً للمواطنين في تسجيل أوقافهم لدى الهيئة, وطالبين لمشاركة الهيئة في الإشراف عليها.

يقال في الأمثال ”إن الرمح على أول ركزة ”, وأعتقد أن الركزة الأولى التي سيبنى عليها ما بعدها هو تعيين المحافظ الذي سيمكننا بعد تعيينه أن نتوقع مستقبل الهيئة, هل ستكون جواداً جامحاً أم سلحفاة زاحفة؟

قرار تأسيس الهيئة العامة للأوقاف بحق كان قراراً موفقا رائعاً جميلاً .. لكننا ننتظر الأجمل مع بدء الهيئة مباشرتها أعمالها وظهور نتائجها على أرض الواقع.


المصدر/ صحيفة الاقتصادية الالكترونية