وقف المشاعر في مكة المكرمة
بقلم: عبد الله صادق دحلان
الوقف الإسلامي في العصور القديمة كان له دور كبير في خدمة المسلمين وعلى وجه الخصوص الفقراء والمساكين منهم، كما كان له دور كبير في دعم مسيرة العلم وطلبة العلم، بالإضافة إلى الأوقاف الخدمية مثل وقف عين زبيدة بمكة ووقف العزيزية بجدة.
ساهم الوقف الإسلامي في المحافظة على العديد من المساجد ومدارس العلم ومن أكثر المدن الإسلامية التي انتشرت فيها أوقاف المسلمين وولاة الأمر فيها كانت ومازالت مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وفي العصر الحديث أيضاً تعتبر المملكة العربية السعودية الأكبر والأكثر اهتماماً بالأوقاف الإسلامية حيث في عهد خادم الحرمين الشريفين أنشئت أهم وأكبر الأوقاف الإسلامية وهو وقف الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين، الذي يعتبر علامة فارقة في الأوقاف الإسلامية من حيث الحجم والعوائد والموقع، وبصرف النظر عن وجهة نظري في الموقع إلا أن فكرة أوقاف الحرمين الشريفين هي فكرة لها بعد نظر طويل المدى لا تعتمد على عصر بذاته، أو ترتبط بوضع اقتصادي معين، لأن الظروف الاقتصادية على المدى الطويل متغيرة.
ومن أشهر الأوقاف الإسلامية في العصر السعودي الحديث هي الأوقاف الجامعية وهي فكرة متميزة وفريدة قادت مسيرتها جامعة الملك سعود، ثم طورت الفكرة جامعة الملك عبدالعزيز، وتسعى بقية الجامعات للاقتداء بها، وهي فكرة متميزة تضمن استمرارية هذه الجامعات في ظل جميع المتغيرات الاقتصادية العالمية.
وتمشياً مع فكرة الأوقاف الإسلامية أطرح اليوم فكرة أوقاف المشاعر الإسلامية والقائمة على دعم وتطوير مشاعر الحج عرفة ومزدلفة ومنى، وأخص على وجه التحديد وقف سكن الحجاج والمعتمرين، حيث تبنت حكومة المملكة العربية السعودية إنشاء سكن للحجاج في منى من خلال إنشاء خيام نموذجية صنعت خصيصاً لمقاومة الحرائق والحرارة وأنشئت وخطط لها بما يتلاءم وظروف الأجواء والحجاج، وكلفت الدولة البلايين من الريالات، ونجحت الفكرة عملياً واقتصادياً حتى غطت تكلفة إنشائها، وأصبحت ذات عوائد جيدة سنوياً، ومازالت الحكومة السعودية تدرس تطوير سكن الحجاج في منى.
وكان على أثر ذلك إنشاء المباني على سفوح الجبال في منى، وهي فكرة كانت أحد مطالب التطوير في سكن الحجاج في منى، إلا أن اختلاف وجهات النظر قد أخر الفكرة عشرات السنين، وللحاجة الماسة وازدياد عدد الحجاج أصبحت الفكرة ضرورة، وليست رفاهية.
ومع ازدياد المسؤوليات الخدمية في المشاعر فإنني أقترح اليوم ضرورة إنشاء وقف خاص بالمشاعر؛ عرفة ومزدلفة ومنى. وتوقف له جميع مساكن الحجاج في هذه المشاعر، وتنشأ لهذا الوقف إدارة متخصصة بفكر اقتصادي يطور فكرة البناء على سفوح الجبال، ويحافظ على ممتلكات أوقاف المشاعر بالصيانة والتشغيل، وهي فكرة مشابهة لأهداف وقف الحرمين الشريفين، ولكنها مختلفة في التطبيق والتنفيذ. وقد يكون ضمن أعمال هذا الوقف استغلال المساكن على سفوح جبال منى على مدار العام للمعتمرين المسلمين، وسوف يساهم الاقتراح في حل مشكلة سكن المعتمرين مستقبلاً مع زيادة أعداد المعتمرين من جميع أنحاء العالم، لا سيما أن وسيلة المواصلات بين الإسكان في منى والحرم المكي أصبحت متوفرة من خلال قطار المشاعر الذي سوف يتم تشغيله طوال العام بدلاً من قصر استخدامه فترة أيام الحج فقط.
إن فكرة أوقاف المشاعر ستعمل على ضمان خدمات الإسكان المطور، وتوفير خدمات الصيانة والتشغيل له على مر العصور القادمة، لاسيما أن هناك دخلاً ثابتاً لهذه الأوقاف إلى يوم القيامة، وستبقى إيرادات هذه الأوقاف هي الرافد الأساسي لخدمة مشاعر الحج، حتى بعد نهاية البترول والغاز.
وللبدء بإنشاء الوقف فإن ذلك يتطلب مبادرة الحكومة السعودية بالتبرع بجميع مساكن الحجاج القائمة خيام ومبان لهذا الوقف، والتنازل عن جميع الإيرادات السابقة بعد تغطية قيمة إنشاء الخيام وتحويل جميع الإيرادات القادمة للوقف.
إن هذه المشاريع العملاقة التي قامت ومازالت تقوم بها الدولة السعودية جديرة بالتقدير والاحترام من قبل جميع المسلمين في العالم، وإن التخطيط للمحافظة عليها للعصور القادمة أيضاً هي مسؤولية الدولة السعودية، ومن هذا المنطلق أطرح فكرة اليوم حتى وإن قيل إن من ضمن صلاحيات وقف الحرمين الإشراف على مشاريع المشاعر، إلا أنني ألتزم بفكرة تخصيص وقف مستقل للمشاعر بفكر آخر ليس فيه احتكار .
المصدر/ وقفنا