شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

الوقف العلمي: ما أشبه الليلة بالبارحة

الخميس 27 ربيع الثاني 1435هـ 27 فبراير 2014م

مضى على تأسيس الوقف العلمي بجامعة الملك عبدالعزيز عشر سنوات بعد أن كان فكرة، ثم أصبح مبادرة من أهالي مدينة جدة وأعيانها وثلة من أساتذة جامعة المؤسس، وقامت هذه المبادرة على إقامة وقف إسلامي علمي يسهم في النهضة العلمية والفكرية لمجتمعنا العربي المسلم، وأمتنا الإسلامية بشكل عام، من خلال دعم وتمويل مشروعات البحث العلمي والبرامج المجتمعية في شتى المجالات المجتمعية والتنموية.

وقُدِّمَ المقترح إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز – رحمه الله – أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك ووجه سموه بإنشاء الوقف العلمي في اجتماع الدائرة الاقتصادية في إمارة منطقة مكة المكرمة عام 1425هـ.

ومازلتُ أذكر الاحتفالية الأولى بتأسيس هذا الوقف قبل عشرة أعوام التي تطوع فيها جمع من كبار أساتذة جامعة الملك عبدالعزيز لشرح وتوضيح أهداف هذا المشروع الرائد والفريد من نوعه ليس بين الجامعات السعودية فقط، بل في الشرق الأوسط كله، ومن هؤلاء الأساتذة كما أذكر سعادة الأستاذ الدكتور محمد نور فطاني وسعادة الدكتور عصام كوثر وآخرون بدعم وتأييد ومباركة من الإدارة العليا للجامعة.

كما أذكر أنه في هذه الاحتفالية الأولى، طُرحت فكرة الاستقطاع الشهري على أساتذة ومنسوبي وطلاب الجامعة ذكورًا وإناثًا ورغم حداثة الفكرة، إلا أنها لقيت استجابة كبيرة ووزعت علينا استمارات لملئها وتحديد المبلغ الذي يُراد استقطاعه، ويبدأ من خمسين ريالًا فقط، وأعلن في الاحتفالية نفسها عن عدد كبير من الراغبين في الاستقطاع.

وخلال هذه السنوات العشر وفّى الوقف العلمي بوعوده واستثمرت الأموال والهبات والتبرعات في مشروعات علمية وبحثية ومجتمعية كثيرة لا تحصى، منها دعم عدد كبير من الدراسات التطبيقية والبحوث العلمية وإنشاء مركز (المبدعون) للدراسات والأبحاث، وتقديم دورات علمية ولقاءات ثقافية متعددة وتدريب موظفي بعض القطاعات الحكومية المهمة جدًا، ومن أبرز ما قدمه الوقف من مبادرات مؤخرًا تبني مكتبة الملك فهد العامة بجدة التي افتتحت مطلع هذا العام 1435هـ ولله الحمد بعد أن تعثر تشغيلها لسنوات لعدم توفر المخصصات المالية.

وفي الأسبوع الماضي، أقيم حفل حصاد الخير السنوي الذي يقيمه الوقف العلمي وتضمن فقرات كثيرة بيّنت إنجازات الوقف خلال عام مضى التي ضمت عدة برامج منها برنامج دعم الأبحاث العلمية، وتشغيل مكتبة الملك فهد العامة ومبادرة المثالية في القيادة المرورية ومشروع تيسير الزواج، وبرنامج الوعي المالي: ريالي، ومشروع تدوير الورق (لا ترمِها بل أوقفها)، وسوى ذلك. وخلال الحفل زُفّت بشرى كبيرة كالعادة في كل عام، إذ أعلن ورثة سعادة الأستاذ علي أبوالعلا عن وصية والدهم رحمه الله بتخصيص أرض في منطقة العزيزية بمكة المكرمة مساحتها 2500م2 لبناء برج ضخم يعود ريعه للوقف العلمي، وما أن زف الأخ الكريم والزميل القديم سعادة الدكتور عصام بن حسن كوثر المدير التنفيذي للوقف العلمي هذه البشرى بعد كلمة أحد ورثة الأستاذ علي أبوالعلا- رحمه الله- حتى انهالت التبرعات من جميع الحاضرين من رجال الأعمال الكرام الذين عودوا الوقف العلمي على عطاءاتهم السخية، فتبرع رجل كريم منهم بمليون ريال، أتبعها بعد قليل بمليون آخر، وتعهد محسن آخر بتوفير كل الدهانات اللازمة للبرج، ومحسن ثالث تعهد بتوفير الخرسانة اللازمة للبرج، كما تعهد معماري بارز بوضع التصاميم اللازمة.

ولعل كل هذه المبادرات الكريمة دفعت معالي مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب لأن يقول في كلمته: إن ما حصل في الحفل يذكّر بالكيفية التي تأسست بها جامعة الملك عبدالعزيز قبل ما يقرب من خمسين عامًا حين بادر نخبة من أعيان ووجهاء مدينة جدة بوضع نواة للجامعة التي كانت أهلية وقتها فتبرّع آل السليمان بأرض الجامعة التي لا تزال تقوم عليها إلى وقتنا الحاضر، وتبرّع الشيخ أبوبكر باخشب وقتها بمليون ريال (لعلها تعدل خمسين مليونًا اليوم بتقدير الأستاذ الدكتور عدنان بن حمزة زاهد وكيل جامعة المؤسس للدراسات العليا والبحث العلمي في حديث أخوي دار بيني وبين سعادته بعد انتهاء الحفل)، وذكر معالي مدير الجامعة وجه الشبه بين ما حدث قبل خمسين عامًا وما حدث في الحفل، وأقول لمعاليه مجددًا: “ما أشبه الليلة بالبارحة”، فابن مكة البار وشاعرها الأستاذ علي أبوالعلا كما بادر بوصيته لأبنائه البررة بتخصيص هذه الأرض للوقف العلمي، كان قد بادر قبل خمسة وثلاثين عامًا بإلقاء قصيدة بين يدي الملك خالد- رحمه الله- دعاه فيها إلى تأسيس جامعة في أم القرى، ثم كان تأسيس جامعة أم القرى بعد ذلك بقليل. ولابد ختامًا من دعوة جميع الخيرين لدعم الوقف العلمي عامة، ودعم إقامة هذا البرج المنشود خاصة.

المصدر: صحيفة المدينة السعودية.