السبت 8 رجب 1434هـ 18 مايو 2013م
عزا اقتصاديون تراجع اقتصاديات الأوقاف ومنتجاتها في الثروة القومية للبلاد الإسلامية، وانخفاض معدل نموها سنويا، لعدد من الممارسات السلبية، تجلّت في عدد من الصعد منها تضاؤل قيمة الأصول الوقفية.
وقالوا لـ««الشرق الأوسط»: «إن ضعف العائد الاستثماري، وغياب الصفة الاستثمارية عن المنتجات الوقفية، بالإضافة إلى ضعف كفاءة استغلالها أحيانا وتعطيل استغلالها أحيانا أخرى، جعل البون شاسعا بين مستوى الأوقاف في البلاد الإسلامية ومستواها في أوروبا وأميركا».
من ناحيته أوضح خالد السويدي رئيس مجلس إدارة مجموعة قاف القابضة، أن التحديات لا تزال ماثلة أمام تطور الأوقاف ومنتجاتها في البلاد الإسلامية، في حين وصلت مستويات عوائدها في بعض نماذج أوقاف الجامعات الأوروبية إلى 15%، مبينا أن حجمها يقدر في السعودية فقط بنصف تريليون ريال (187.5 مليار دولار).
ولفت إلى أن تكبيل الوقف بعقود الاحتكار، أحد أبرز التحديات، التي واجهت هذه الصناعة، شارحا الوقف بعقود الاحتكار، بأنها عقد إجارة لمدة طويلة، يدفع فيها المحتكر لجانب الوقف مبلغا معجلا يقارب قيمة الأصل، ويحدد مبلغا آخر ضئيلا، يستوفى سنويا لجهة الوقف من المحتكر أو ممن ينتقل إليه هذا الحق.
وزاد السويدي: «لا يخفى أن هذه العقود، تقضي على الجزء الأكبر من عوائد الوقف بمرور الزمن، خاصة في ظل ارتفاع معدلات تضخم الأسعار وانخفاض القيمة الحقيقية للنقود».
ومن التحديات كذلك وفق السويدي، عدم صلاحية النظار أو فسادهم، لافتا إلى بروز الفساد وقلة الكفاءة في هذا النظام، مع تنامي الخلافات بين المستحقين، أدى إلى تدخل الدولة الحديثة في إدارة شروط الوقف في القرن العشرين، وبروز الحاجة إلى التشريعات المناسبة لتوعية النظار ومراقبتهم ومحاسبتهم.
ونوه بأن انخفاض الموارد المالية اللازمة لتنفيذ شروط الواقفين، ومن ثم عدم الالتزام بشروطهم، وتغيير أوجه صرف الأوقاف أو تقييدها، أدى إلى حرمان الكثير من الجهات من حقوقها، وتعطلت رسالة الوقف لدرجة التهديد بالقضاء عليها.
وعدّ السويدي، دمج أموال الأوقاف ضمن أموال الدولة في بعض الدول الإسلامية مع تأميم ممتلكات وثروات الوقف الأهلي، بموجب قوانين وقرارات عليا واجبة التنفيذ، إحدى أكبر السلبيات التي أقعدت بالأوقاف عن دورها الاقتصادي.
من ناحيته اتفق المستشار الاقتصادي محمد الحمادي مع السويدي، في أن بعض ممتلكات الوقف تعرضت للتعدي من جانب بعض الجناة بطرق غير مشروعة، مثل وضع اليد على بعض أراضي الأوقاف التي يعلمون بفقد حجية ملكيتها أو سرقتها وصعوبة إثبات تبعيتها لمؤسسة الوقف.
كما اتفق الحمادي مع السويدي في أن شيوع حالة من إهمال ممتلكات الوقف وعدم الإنفاق على صيانتها، أو حسن رعايتها، وتعرض بعضها إلى الانهيار والتدمير، كتصدع بعض المباني السكنية والإدارية المملوكة للأوقاف وأيلولتها للسقوط، في ظل رفض شاغليها تحمل نفقات الصيانة أو الإصلاح، رغم ضآلة قيمة الإيجار الشهري وانخفاض قيمته الحقيقية بمرور الزمن نتيجة زيادة أو غلاء الأسعار وتآكل قيمة النقود.
ويعتقد كل من السويدي والحمادي أن قيام بعض الدول العربية والإسلامية بإلغاء الوقف الأهلي، كان بمثابة إلغاء لمؤسسة إسلامية أصيلة، الأمر الذي جعل مجمع الفقه الإسلامي يوصي عام 2004 بإحياء الوقف الذري، الذي قامت بإلغائه بعض التشريعات في بعض الدول العربية والإسلامية.
وسار الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان السعودية، على نفس الرؤية التي سردها السويدي في أن إلزام إدارة الوقف بالخضوع لتنظيمات الدولة، في سائر الشؤون الوقفية والالتزام بالقوانين الاستثنائية في الإيجار، ألغت ضمنيا النظم المطبقة في الإيجارات الوقفية.
وأكد أنه ترتب على ذلك، عدم قدرة إدارة الأوقاف على الاستثمار الأمثل لأموال الوقف ومن ثم تراجع إيراداتها والعجز عن دفع رواتب الموظفين في إدارة الوقف رغم ضآلتها، مقدرا حجم الأوقاف عالميا بـ111 مليار دولار، مشيرا إلى أن اقتصادياتها في البلاد الإسلامية تراجع بـ15% خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وأجمع الخبراء على أن غياب الدراسات والإحصائيات عن الأوقاف من حيث أعدادها وأنواعها وأحجامها، أشلّ عملية تنظيم الأوقاف، في حين لا يوجد دراسات عملية كافية عن توزيع الأوقاف وحاجة المجتمع لها.
من جهة أخرى أطلقت أول من أمس بالرياض، أول شركة متخصصة بإدارة وتطوير الأوقاف في العالم الإسلامي، تحت اسم «شركة مجموعة قاف القابضة»، برأس مال يبلغ 1.2 مليار ريال(450 مليون دولار) اكتتب فيها المؤسسون 63.1% من رأسمال الشركة، وستطرح النسبة الباقية على مستثمرين مستهدفين في مختلف أنحاء العالم.
وقال خالد السويدي رئيس إدارة الشركة لـ«الشرق الأوسط»: «ستقدم الشركة خدماتها ابتداء من السعودية لثقلها الاقتصادي، ثم تتوسع في تقديم أعمالها خلال منتصف عام 2014 لتشمل الكويت، قطر، عُمان، الإمارات، مصر، تركيا، وماليزيا، وبروناي».
وأوضح أن الشركة تهدف إلى تقديم خدمات إدارة وتطوير الأصول العينية وعلى وجه التحديد الأصول الوقفيّة، من خلال الاستثمار المباشر أو من خلال تمويلها بواسطة صناديق الوقف العقارية المرخصة، وتقديم خدمات تساعد الجهات الوقفيّة في تحسين دخلها وتعظيم عوائدها وتوزيع مخاطرها وتقديم أي نشاطات أخرى تتفق مع غايات وأهداف الشركة.
وشدد السويدي على أن «قاف» تسعى لسد جزء من الفجوة الكبيرة والفرص المتاحة في سوق خدمات تطوير الأصول الوقفية الإسلامية والعالمية، وذلك من خلال توفير الخدمات المناسبة لقطاع الأوقاف ورفع الكفاءة في أدائها، مشيرا إلى أن هناك حاجة لتطبيق تقنيات التمويل والتطوير الإسلامية الحديثة، للمساعدة في تطوير الإمكانات الكامنة لهذا القطاع.
وبين أن أهم الأمور لتقليل مخاطر استثمارات الوقف، توزيع أصوله بحسب طبيعة الأدوات المالية الاستثمارية، مع ضرورة الابتعاد عن الأدوات الاستثمارية ذات المخاطر، التي لا تتناسب واتجاهات الوقف أو الاستثمار في الأسواق المالية، التي تتسم بدرجة كبيرة من المخاطرة أو والتقلبات المستمرة. وقال: «يتم مراعاة تنويع المحفظة الاستثمارية، بحيث يتم الاستثمار في الدولة التي أسس فيها الوقف والدول القريبة منها والدول الإسلامية، وكذلك الأسواق الدولية المناسبة، من خلال الأدوات الاستثمارية المناسبة التي توفر السيولة اللازمة لسداد التزامات الوقف، مع ضرورة مراعاة تواريخ الاستثمار ومددها بحيث تكون متنوعة وذات آجال مختلفة».