حكم الوقف وأنواعه:
ذهب جمهور العلماء إلى جواز الوقف، ولزومه، ويدخل الوقف تحت عموم الآيات الدالة على الإنفـاق في البر
كقول الله عز و جل: {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} آل عمران(115)
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*} الحـج(77)
وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } البقرة(267)
وقوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} آل عمران(92)
إلى غير ذلك من الآيات التي تحث على الإنفاق في وجوه الخير والبر، ويدخل تحتها الوقف باعتباره إنفاقاً للمال في جهات البر .
وأما السنة الشريفة
فقد ثبت الوقف بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره بما ورد في شأنه من أحاديث عدة منها:
1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
2 – عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن عمر أصاب أرضاً من أراضي خيبر فقال: يا رسول الله أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها. فتصدق بها عمر على أن لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، في الفقراء، وذوي القربى والرقاب، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها، أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول) وفي لفظ (غير متأثل مالاً) رواه الجماعة .
3 – عـن عثمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلمقدم المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومه، فقال: من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي) رواه النسائي، والترمذي وقال حديث حسن .
4 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً، واحتساباً فإن شبعه، وروثه، وبوله، في ميزانه يوم القيامة حسنات) رواه أحمد والبخاري .
5 – عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة قال: (يا رسول الله إن الله يقول:
{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران ، وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وأنها صدقة لله أرجو برها، وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال: بخ.بخ ذلك مال رابح، مرتين، وقد سمعت أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه، وبني عمه) متفق عليه .
وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلمللوقف، فقد ابتدأ بمسجد قباء، الذي أسسه حين قدم إلى المدينة قبل أن يدخلها، ثم المسجد النبوي في المدينة المنورة، كما أوقف صلى الله عليه وسلمسبعة حوائط لرجل من اليهود يدعى مخيريق، قتل يوم أحد، وكان قد أوصى، إن أصبت فأموالي لرسول الله صلى الله عليه وسلميضعها حيث أراه الله .
وأما إقراره صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأما خالد فقد احتبس أدراعه، وأعتاده في سبيل الله) متفق عليه.
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على جواز الوقف، فقد قال جابر رضي الله عنه: (لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلمذو مقدرة إلا وقف) . قال ابن قدامة: «وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر على الوقف منهم، وقف. واشتهر ذلك فلم ينكره أحد، فكان إجماعاً؛ ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية، فإذا أنجزه حال الحياة، لزم من غير حكم كالعتق» .