شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

ثروات «الأوقاف» وغياب الأداء المؤسسي

alt

alt

ثروات «الأوقاف» وغياب الأداء المؤسسي

فهد العيلي

يبدو أننا لم نتجاوز أفكار التغني بالماضي العريق للأوقاف الإسلامية، وما لعبته من دور في تنمية المجتمعات ونشر حركة العلم والترجمة والعناية بدور العلم والطب والمساجد، متناسين أن الأوقاف الإسلامية من مكة إلى بغداد شرقا ومن الشام إلى الأندلس غربا لم تحقق مكانتها الكبيرة في التاريخ الإسلامي لو لم تكن منتجا مؤسسيا بمفهوم التنمية الحديثة.

لقد عرفتنا كتب التاريخ بإنجازات الأوقاف واتساع نموها وطريقة تنظيمها ودور القائمين عليها وأوجه الصرف والإنفاق التي جعلت منها إضافة تنموية وركيزة أساسية في بناء المجتمعات الإسلامية وتفوقها.

ورغم أن الكثير منا لا يجهل هذا الدور التنموي العريق للأوقاف، لكننا نقف اليوم في حيرة من الأداء الغامض والرتيب للأوقاف المحلية، حيث تسجل غيابا لافتا وأداء لا يليق بمكانتها الماضية.

وإذا كانت الدولة لم تغفل هذا الجانب من خلال إسناده إشرافا وتنظيما إلى وزارة الشؤون الإسلامية، التي خصصت له إدارة ضمن هيكلها التنظيمي وساهمت ببعض الجهد في جمع شتات جملة من الأوقاف، واكتشاف أخرى مهملة تقدر حصتها السوقية بمئات الملايين، ومحاولات متكررة لإحياء سنة الوقف الخيري اجتماعيا، إلا أن جهودها ما زالت أسيرة للأداء ”البيروقراطي” ولا تعبر فعلا عن ثروات الأوقاف في بلادنا.

نحن لا نعرف أي إحصائية للثروة الوقفية في بلادنا، وكم نسبة توزيعها بين العقارات والمزارع والمشافي والأراضي والمتاجر وغيرها مما نسمع عنها ولا نعرف موقعها؟ كما لا نعرف حجم السيولة النقدية ولاحجم الأصول العينية، ولا نعرف أيضا أوجه الإنفاق والصرف والمردود المباشر في التنمية الاجتماعية، وما الحسابات الرسمية للأوقاف وهل تخضع لرقابة مؤسسة النقد؟ ما يجعل الراغبين في وقف أعمالهم الخيرية في قلق مستبد خشية ضياع أوقافهم واندثارها مع الزمن.

وحاولت معرفة المزيد من الإحصائيات حول القيمة التقديرية للاستثمارات الوقفية وفوجئت بالمعلومات الشحيحة التي حواها موقع وزارة الشؤون الإسلامية الإلكتروني ولم أجد إلا إحصائية وحيدة لعام 1428 لمصروفات بأكثر من 54 مليون ريال

ومشروعات تحت التصميم والتنفيذ في العام نفسه عددها 143 مشروعاً بتكلفة 530 مليون ريال، ولم يشر الموقع لأي إيرادات، وهناك إحصائيات أخرى مشتتة حول شراء بعض الأعيان وبيع 36 وقفا عينيا أخرى دون تفاصيل. ومع الحراك الإداري والتطويري الذي شهدته بعض أجهزة الدولة أخيرا، جاء قرار مجلس الوزراء بإنشاء الهيئة العليا للأوقاف للمساهمة في المحافظة على الأوقاف وتنمية استثماراتها، لكن تبين من النقاشات الأخيرة لأعضاء مجلس الشورى حول الهيئة الوليدة أنها ما زالت غارقة في تفاصيل ”بيروقراطية” وفقهية بعيدا عن الجانب الاقتصادي والاستثماري الذي هو ركيزة العمل الوقفي، لذلك أدعو الجهات المختصة في الدولة وعلى رأسها مجلس الشورى ووزارة الاقتصاد والتخطيط واللجنة العليا للتنظيم الإداري بما تضمه من كفاءات إدارية واقتصادية بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية، أن تسهم في تفعيل نظام الهيئة العامة للأوقاف لتبدأ قوية وتعمل بروح جديدة وهوية اقتصادية حديثة تتناسب مع مفاهيم العمل المؤسسي الحديث.

ويختار لها أفضل الكفاءات الاقتصادية ما يمكنها من الاستمرار في جمع شتات الأوقاف وتحريرها اجتماعيا واقتصاديا، واستغلال الثروات الوقفية وتنمية استثماراتها وتحديد أوجه الصرف والإنفاق عبر تقارير الأداء المالي المعروفة، مع الخضوع للمحاسبة والرقابة المستمرة كسائر مؤسسات الدولة الأخرى، ويعم نفعها كل البرامج الاجتماعية فيستفيد منها طالب العلم الشرعي، والمحتاج، والمريض، والكاتب والناشر، والمبتعث، والراغب في الزواج غير المقتدر، ويشمل دعمها أيضا الجمعيات الخيرية، والضمان الاجتماعي، ومؤسسات المجتمع المدني، وغير ذلك من البرامج التنموية الهادفة التي تعزز البناء وتعيد لنا أمجاد الأوقاف ودورها المؤسسي الغائب.

المصدر : صحيفة الاقتصادية