شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

تفوق الأوقاف في الخدمات الصحية

 

تفوق الأوقاف في الخدمات الصحية  …

 د. مقبل صالح أحمد الذكير

السبت  8 / جمادى الآخرة / 1431هـ     22 / مايو / 2010 م

 

حدثنى المهندس عبد العزيز حنفي، رئيس جمعية تحفيظ القرآن في محافظة جدة، أنه تمكن خلال العقد الماضي من رفع مصادر الجمعية من الوقف إلى نحو 17 في المائة. وأكد لي أن محبي الخير ينتظرون نماذج ناجحة تغير من الصورة السلبية لمصير الأوقاف. والحقيقة أن المجالات التي يمكن أن تخدمها المؤسسات الوقفية لا حدود لها. وسأتحدث في هذه المقالة عن مثال واحد يمكن أن تسهم فيه الأوقاف بفاعلية وكفاءة أفضل وهي الخدمات الصحية.

لقد بات واضحا مقدار النقص الذي نعانيه في مجال الخدمات الصحية فقد أخذ الطلب في هذا القطاع ينمو مع نمو السكان بمعدلات تفوق المتاح منها، سواء من قبل القطاع الحكومي أو الخاص، حتى غدا الحصول على غرفة في مشفى حكومي أو على موعد فيها لكشف طبي أو للتصوير الإشعاعي أو لإجراء بعض التحاليل أمرا مرهقا ربما امتد لعدة أشهر، وهي فترة انتظار طويلة لعلاج مرض أو وقف ألم!

الخدمات الصحية الحكومية تعاني من أمرين: عدم كفايتها، وأحيانا تدني مستوى جودتها. وتكاليف الخدمة في المستشفيات الخاصة لا يقدر عليها كل الناس، أما القادرون منهم عليها فربما تعرضوا لأشكال أخرى وهو احتمال دفعهم تكاليف تزيد عما هم في حاجة إليه بسبب عدم قدرتهم فنيا على معرفة نوع الخدمة التي يحتاجون إليها فعلا.

لقد أهملنا تنظيما ثالثا لم ندرك مقدار تفوقه من الناحية التنظيمية على القطاعين العام والخاص، وهو قطاع الأوقاف الصحية! هذا القطاع يمكن أن يسهم ليس فقط في سد جزء من العجز في كم هذه الخدمات، بل يسهم أيضا في رفع مستوى جودتها وكذلك في تقليل المخاطر الأخلاقية التي يمكن أن يتعرض لها المرضى في القطاع الخاص! إذ تشير الدراسات الاقتصادية الحديثة إلى أن طبيعة المؤسسات الوقفية تجعلها أفضل وأقدر من غيرها في تقديم الخدمات الصحية. فباعتبار أن الأوقاف هي مؤسسات لا ربحية، فإن بإمكانها الجمع بين أفضل ما لدى القطاعين العام والخاص من الناحية التنظيمية. فهي تشبه المؤسسات العامة من حيث إن لها أهدافا اجتماعية خيرية، لكنها يمكن أن تدار بأساليب القطاع الخاص في الإدارة.

وقد دللت على هذا التفوق بعض النظريات الاقتصادية الحديثة التي بحثت في كيفية تعظيم الاستفادة من العقود التي تتعارض مصالح أطرافها, مثل العقد بين المريض والطبيب العامل في القطاع الخاص، ومن هذه النظريات نظرية العقد المثالي Optimal Contract Theory. إذ تشير هذه النظرية إلى أن أكثر الجهات الثلاث (الحكومية والخاصة واللاربحية) كفاءة في تقديم الخدمات الصحية من الناحية التعاقدية هي المؤسسات الوقفية اللاربحية. لأنها تنجح أكثر في تخفيض حدة تعارض المصالح بين المريض والطبيب, وتخفيض درجة الخطر الأخلاقي Moral Hazard التي يمكن أن تنشأ بينهما إلى أدني درجة. ذلك أن سلامة العلاقة بينهما تعتمد على أمانة وصدق الطبيب في تحديد نوع وتكلفة الخدمة التي يحتاج إليها المريض. فالمريض يريد الحصول على الخدمة بأقل تكلفة ممكنة، بينما يرغب الطبيب الخاص – وهو مستثمر أيضا – في تعظيم أرباحه. لكن المريض لا يعرف إن كان الطبيب الخاص (أو المشفى الخاص) سيكلفه أكثر مما هو في حاجة إليه من تكاليف إضافية كالعمليات الجراحية والتحاليل الطبية والصور بالأشعة ونحوها، بسبب عدم تساوي المعلومات بينهما. لأن الحوافز التي تحرك الطبيب الخاص (تعظيم الربح) تعمل ضد مصلحة المريض. لكل ذلك وجد المهتمون بدراسة طبيعة العلاقة التعاقدية بين من تتعارض مصالحهم ويصاحبها خطر أخلاقي – كما في حالة الخدمة الصحية المقدمة من قبل القطاع الخاص – وجدوا أن تقديم الخدمات الصحية من خلال مؤسسات لا ربحية يخفض مقدار هذا الخطر بدرجة كبيرة. وهذا هو بالضبط ما يفسر سبب كون أغلبية الخدمات الصحية في الولايات المتحدة تقدم من خلال مؤسسات لا ربحية, على الرغم من الدور الكبير للقطاع الخاص في النظام الاقتصادي الأمريكي! فنحو 56 في المائة من هذه الخدمات تقدمها مؤسسات وقفية خيرية، ونحو 32 في المائة توفرها جهات حكومية، أما الباقي فتقدمه مصحات تجارية خاصة. بل تشير البيانات الإحصائية الأمريكية إلى أن المؤسسات الخيرية تنفق على السرير الواحد أكثر مما ينفق كلا من القطاعين العام والخاص، ما يعني أن القطاع الخيري الصحي يقدم عناية أكثر بالمريض من القطاعين العام والخاص. ويفسر البعض ذلك بارتباط القطاع الخيري بضمير حي في العادة على الأقل على مستوى المتبرعين وبعض القيادات العليا للمؤسسات الخيرية. لكل هذا نقول أهلا بالهيئة العامة للأوقاف .. الطريق ممهد أمامكم، والأمة تتلهف لترى ما أنتم فاعلون.


المصدر / صحيفة الاقتصادية