شركة ثبات لتطوير وإدارة الأوقاف

أوقاف للمدن الطبية كما هي للمدن الجامعية

 

م. حمد اللحيدان

في حديث عن الأوامر الملكية أرسل إلي الزميل المهندس أشرف حسن عبر الفيس بوك يقول: ”إن القرارات الملكية السامية وأخص الجانب المتعلق بالقطاع الصحي تستوجب وقفات من المختصين, فمن المعروف أن إنشاء المستشفيات تتبعه مصروفات تشغيلية باهظة ترهق كواهل الدول وكدولة تسعى ويسعى قادتها وشعبها للتميز والكمال, يجب أن نفكر جديا فيما يضمن ـــ بإذن الله ـــ استدامة الخدمات الراقية المنتظرة من مستشفياتنا, وأنا هنا أقترح الوقف, وهو الممارسة التي حث عليها ديننا ونبينا ـــ صلى الله عليه وسلم”.

وقد وعدته أن أطرح هذا الاقتراح في مقال الثلاثاء، مع ربط ذلك بنجاح الأوقاف في المدن الجامعية, فلقد دأبت المدن الجامعية في الآونة الأخيرة على إيجاد برامج وقفية لها، ونجحت في ذلك بشكل كبير جامعة الملك سعود, إذ أعدت الجامعة مشروعا لبرنامج الأوقاف ووضعت له رسالة تتمثل في تطلع الجامعة إلى أن يثمر تنفيذ برنامج الأوقاف عن توفير مصدر دخل ثابت ودائم يُستخدم أساساً في دعم البحث والتطوير العلمي، إضافة إلى دعم البعد التكافلي من مساعدة المرضى في المستشفيات الجامعية وأعمال البر داخل الجامعة، كما أن الجامعة وضعت أهدافا عدة لهذا البرنامج, الذي من خلاله ستصل إلى تعزيز موارد الجامعة الذاتية أسوة بالجامعات العالمية المرموقة, وذلك لتحفيز الإبداع والتميز على الأصعدة كافة، وتمويل برامج البحث والتطوير التقني بما يخدم البشرية ويعزز اقتصاديات المعرفة لتحقيق التنمية المستدامة للوطن، واستقطاب وتحفيز وتكريم الباحثين والمبدعين والموهوبين والمتميزين ورعايتهم، وزيادة الاستفادة من موارد الجامعة البشرية والبنية التحتية والتجهيزات, كما سيقوم الوقف بدعم المستشفيات الجامعية في علاج الأمراض المزمنة وتمويل معامل جامعة الملك سعود الخارجية في كل من: سنغافورة (صناعة البتروكيماويات)، والصين (صناعة النانو)، وفرنسا (أمراض نقص المناعة والتقنية الحيوية)، وبريطانيا (النانو وأمراض القلب)، والهند (تقنية المعلومات)، وأمريكا (تقنية النانو). وأخيرا تعزيز أعمال البر والتكافل الاجتماعي ومساعدة الأيتام والأرامل من منسوبي الجامعة.

كما أن الجامعة تتوقع خلال السنوات المقبلة أن يقوم هذا البرنامج الطموح بتغطية ما نسبته 30 في المائة من ميزانية الجامعة, وإذا ما استمر هذا البرنامج في خطواته الطموحة فإنه سيصل في النهاية إلى تغطية كامل الميزانية, بل ربما يفيض, إذ إن الوقف وأهدافه العظيمة هو ما انفردت به حضارة الاسلام عن غيرها من الأمم.

وإذا أمعنا النظر في هذا البرنامج نجد أن الجامعة وضعت من ضمن أهدافها دعم المستشفيات الجامعية وخدمة المرضى والتكافل الاجتماعي, وهي الأهداف التي يمكن للمدن الطبية أن تعمل عليها بشكل خاص, وأن ينمى هذا الجانب بشكل منفرد ومتفرد.

إن إنشاء تلك المدن في مناطق متعددة من المملكة هدف استراتيجي لنشر التخصصات الدقيقة في أنحاء المملكة، وأن تكون تلك المدن في خدمة المحافظات المجاورة لها بدل أن تتركز تلك التخصصات في مدينة الرياض أو جدة فقط، وهو ما يجعل تلك المدن هدفا يقصد، وأن تكون متميزة في تخصصات، وأن يكون تشغيل تلك المدن أكثر تكلفة من المستشفيات العامة, إذ ندرك أن قيمة إنشاء المستشفيات في العرف الهندسي يماثل قيمة تشغيلها لمدة ثلاث سنوات, وهي غير تخصصية, أما التخصصية فهي أكثر من ذلك, ما يعني أن ذلك سيتطلب وضع خطط كفيلة باستمرار تلك الخدمات على أفضل وجه, ولذا فإن إيجاد برنامج للأوقاف للمدن الطبية والاستثمار فيه سيدعم ميزانية تلك المدن.

وفي نظري تعد مدينة الملك عبد الله الطبية في مكة المكرمة, التي تتطلع إلى أن تكون منارة للطب في المملكة, أنسب المدن لتطبيق برنامج الوقف للمدن الطبية, وذلك لعدة أسباب منها:

ـ سعة مساحتها، إذ تقدر مساحتها بأكثر من مليون متر مربع, وهي مساحة كبيرة جدا إذا ما تمت مقارنتها بالمدن الطبية الأخرى.

ـ موقعها المتميز وهي تقع بين طريق مزدلفة وطريق الهدا السريع وأنها في حرم المشاعر المقدسة, وهي أقرب مدينة طبية للمشاعر وخدمة ضيوف الرحمن.

ـ إن تلك المدينة الطبية في أشرف البقاع على الأرض، وإن الناس يتسابقون في إنشاء الأوقاف في تلك المدينة طلبا للأجر والثواب.

إن هذا الاقتراح والاستفادة من برامج الوقف لجامعة الملك سعود وجعل ذلك أنموذجا يحتذى للمدن الطبية، والعمل على إيجاد برامج وقفية مماثلة للمدن الطبية ـــ بإذن الله ــ كفيل بأن تكون تلك الأوقاف عونا على استمرار الخدمات الطبية بشكل متميز ومتفرد, وأن تكون مدينة الملك عبد الله الطبية مثالا يحتذى في تميزها الطبي والوقفي ـــ بإذن الله.

المصدر/ صحيفة الاقتصادية