بناء المساجد والقضاء والأوقاف
الأربعاء 21 / شعبان / 1430هـ 12/ اغسطس / 2009 م
فيما تعتقد معظم عشائر المنتفق بالمذهب الشيعي الاثني عشري، فإنه من المعروف أن جميع آل سعدون سنة على المذهب المالكي، ويؤكد علي الشرقي في (ذكرى السعدون) أنه لا يوجد في العراق مالكية غيرهم – رغم مبالغة هذا القول – لأنه مذهب أهل الحجاز.
1- المساجد والمدارس الدينية:
قام شيوخ المنتفق على امتداد تاريخهم ببناء الكثير من المساجد والمدارس الدينية مثل (المدرسة المغامسية) في البصرة التي أسسها الشيخ مغامس بن مانع آل شبيب سنة 1117هـ (1705م) لتدريس العلوم، ورعاية الطلبة، واستمرت في أداء دورها العلمي حتى هدمت قبل قرنين من الزمان، وأحيلت أوقافها إلى المدرسة الحللية.
وعلى صعيد بناء المساجد نجد (جامع مزعل باشا السعدون) في محلة الشمال ببلدة الزبير، وأسسه مزعل باشا بن ناصر باشا السعدون يوم الأحد غرة محرم سنة 1324هـ (25 فبراير 1906م) ليكون مكان عبادة ودرس، واهتم به كثيراً، فأوقف بعض البساتين لنفقاته كما حرص على اختيار إمام مالكي كفؤ له، فاستقدم المصلح الشهير محمد أمين الشنقيطي الذي وصل إلى الزبير قادماً من المدينة المنورة بعد وفاة مزعل باشا في محرم 1327هـ (يناير 1909م)، وكانت الإمامة قد عهدت للشيخ المغربي محمد الرابح، فاستمر الأخير فيها.
وهناك قول أن مدرسة النجاة التي أسسها الشنقيطي في الزبير كان لبعض شيوخ المنتفق دور في دفع تكاليف تأسيسها، ولكننا لسنا متأكدين من صحة هذا القول.
وفي محلة العرب ببلدة الزبير جامع يدعى (جامع المنتفق) أسسه التاجر الكويتي عبد الله العثمان سنة 1385هـ (1965م)، وجاءت التسمية لكون الجامع ملاصقاً لمجلس آل فالح السعدون، وكون الشيخ نجم بن عبد الله الفالح كان يرعى هذا الجامع، ويتعهد نفقاته.
وهناك أيضاً (جامع فالح السعدون) في الناصرية، ومن أشهر جوامع المدينة وأكبرها، وثمة جامع آخر في الغبيشية بناه سعدون باشا المنصور سنة 1306هـ (1889م) عندما أقامت لديه جماعة من أهل الزبير بعد اضطراب الأمن في بلدتهم.
وهناك جامع سادس في الخميسية بناه فالح باشا سنة 1308هـ (1891م) حيث جلب لتشييده بنّاءاً مشهوراً يدعى (سبع) كما عيّن سليمان المسفر مؤذنا له، وذلك لما اتسعت البلدة، واحتاجت لجامع كبير، وقد استقدم له العالم علي بن عرفج من بريدة، والذي زاول الإمامة فيه حتى توفي 1328هـ (1910م)، فتم استقدام قاضي القصيم إبراهيم بن جاسر لهذا الغرض.
وبني في السنوات الأخيرة بمحلة العرب بالزبير جامع جديد باسم (جامع البراك)، وبني بنفقات بعض أهل الخير، وتعهد برعايته آل براك من آل سعدون.
2- القضاء:
أما بالنسبة للقضاء في مناطق المنتفق، فكانت أول إشارة لهذا المنصب عند تصديق القاضي سلمان على براءة الحماية للكرمليين التي منحها مغامس سنة 1117هـ (1705م)، وعلى امتداد مشيخة آل شبيب كان شيوخ المنتفق حريصين على استقدام العلماء الصالحين لتولي منصب القضاء في عاصمتهم سوق الشيوخ، ويروى هنا أن العالم الزبيري محمد بن حمد الهديبي قدم إلى السوق في منتصف القرن الثالث عشر الهجري، فقال له شيخ المنتفق، وكان حمود الثامر على ما يبدو: (أقم عندنا، وإذا مات قاضينا نوليك قضاء بلادنا)، فأجابه الهديبي: (إذن.. اكتب لي صكاً أني أعيش بعده!!).
وقد أرسل حمود الثامر سنة 1213هـ (1798م) إلى عالم الأحساء الشيخ مبارك المالكي كتاباً يشكو فيه (فشوّ الجهل، وانتشار البدع بين البوادي في العراق، ويطلب منه الانتقال إليه لنشر العلم، والوقوف في وجه دعاة الضلال)، فقدم إليه الشيخ مبارك بصحبة أولاده، وحل محل الإجلال والتقدير ناشراً كتاب الله، وسنة نبيه، ومشتغلاً بالتأليف حتى توفي سنة 1230هـ (1815م)، ودفن في تل اللحم قرب السوق، وظل أبناؤه على علاقة وطيدة بالمنتفق وقتاً طويلاً.
ومن أبناء ذلك الشيخ نجد الشيخ عبد الرحمن بن مبارك، ولدينا بخطه نص وقفية أوقفها علي بن ثامر السعدون في آخر شوال سنة 1231هـ (سبتمبر 1816م) على (طلبة العلم الشريف من أهل المذهب المالكي)، ومن هذه العائلة أيضاً عبد العزيز بن حمد بن عبد اللطيف بن مبارك (1279 – 1359هـ)، وكان يفد على فالح باشا السعدون للوعظ والتعليم، وحين ألح عليه بالبقاء في العراق قسّم السنة إلى نصفين بين العراق والأحساء، وكان شاعراً، ولدينا قصيدة له في الثناء على آل سعدون يخاطب فيها غالب بن حمود بن عمر السعدون.
ومن قضاة سوق الشيوخ عرفنا الشيخ عبد العزيز بن حمد آل مشرف التميمي، وهو حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (جده لأمه)، وكان من رجال الدولة السعودية الأولى، فلما سقطت الدرعية تولى قضاء عنيزة ثم انتقل إلى سوق الشيوخ، فتولى قضاءها إلى أن توفي سنة 1240هـ (1824م).
ومن بعده انتقل قضاء سوق الشيوخ إلى الشيخ عبد اللطيف بن محمد السلوم الحنبلي الذي جاء مع أبيه إلى سوق الشيوخ من نجد، فطلب الشيخ حمود بن ثامر أباه للقضاء، فاعتذر، وتصدى عبد اللطيف لهذه المهمة بعد تهديد الشيخ بتولية القضاء لأحد الجهّال في حالة رفضه هو الآخر، واستمر السلوم في منصبه حتى توفي بالطاعون سنة 1247هـ (1831م) بعد قدومه من الحج، ودفن خارج سوق الشيوخ إلى جانب قبر أبيه.
وخلفه أخوه الشيخ عبد الرزاق السلوم الذي (صار له جاه تام عند الحكام، وكلمة نافذة، وانفرد في تلك الجهة بالحل والعقد) على حد تعبير أحد المؤرخين (8) إلى أن لقي ربه سنة 1245هـ (1838م)، وجاء بعده ابن أخيه عبد الله بن أحمد بن محمد السلوم الذي تولى قضاء السوق حتى وفاته سنة 1279هـ (1862م).
ومن قضاة سوق الشيوخ الشيخ فهد بن أحمد السواحة، وهو من العلماء المجتهدين، وقد تولى قضاء السوق لمدة عشرين عاماً ثم ترك القضاء في آخر عمره حتى توفي سنة 1280هـ (1863م).
وعلى صعيد المذهب الشيعي الذي تتبعه معظم عشائر المنتفق نجد حرصاً على تشجيع المجتهدين من أبناء هذا المذهب من قبل بعض شيوخ المنتفق، فعندما هاجر الميرزا علي بن الميرزا محمد جمال الدين الإخباري من الكاظمية إلى سوق الشيوخ أكرمه الشيخ ناصر باشا السعدون، وأقطعه مساحة من الأرض سميت (قرية المؤمنين)، فكان الميرزا يجمع من حوله الكثير من أفراد العشائر، ويدعوهم إلى تعلم القرآن الكريم، وفروض الدين، وترك جرائم السلب والنهب مما جعل ناصر باشا يعتمد عليه في تحقيق أهدافه بتأمين السابلة بين البصرة والناصرية.
3- الأوقاف:
أما الأوقاف العلمية، وأوقاف الكتب منها على وجه الخصوص، فقد وجدنا وقفية على كتاب (كنوز الحقائق) نصها: (حبس وسبل على طلبة العلم الشريف من المالكية علي بن ثامر السعدون، وشهد بذلك عبد الرحمن بن الشيخ مبارك المالكي. سلخ شوال سنة 1231هـ (أواخر سبتمبر 1816هـ)، ووقفية أخرى على كتاب (الخرشي الصغير على خليل) نصها: (وقفته وحبّسته على الأخ عبد الرحمن بن الشيخ مبارك وبعده على أهل المذهب المالكي، وأنا الفقير إلى الله علي بن ثامر السعدون. حرر في شوال 1231هـ).
المصدر / موقع عشائر المنتفك والسعدون